المقالات

الفقيد السيد موحان الجابري ... مثال الايثار والصمود والتحدي

1298 18:55:00 2008-08-17

( بقلم : ميثم المبرقع )

الرجال العظماء يرحلون عنا في غفلة من الزمن ولم نعرف قدرهم الا وهم راحلون نحو السماء وقد نؤنبهم احياءً ونؤبنهم امواتاً ولكنهم يبقون عظماء رغم غفلتنا وغفلة الزمن. اثبتت مسيرة العظماء على مر الدهور والعصور انهم يدفعون ثمن انتمائهم للاسلام وغيرهم يربحون ثمن هذا الانتماء ولكن الرابحون والمضحون سواء في نهاية المطاف ستكون نهايتهم حفرة كلما وسعت اضغطها الحجر والمدر..

ومن هؤلاء العظماء الذين فارقونا رغما عنا ورحلوا والشوط لما يكتمل هو السيد الفقيد الراحل المجاهد موحان الجابري هذا الرجل الذي أبى الا ان يواصل الدرب وان قلّ سالكوه فسجل حضوراً مشرفاً في ساحات المواجهة والمقاومة ضد النظام الاجرامي السابق ، فلم يهن او يستكين.. وقد يبرر المداهنون في زمن المزايدات والرعب البعثي مواقفهم ونفاقهم خوفاً او طمعاً وقد يختفي الاخرون ويقفوا على التل في زمن الفتنة والمحنة لاعتقادهم بان الوقوف على التل أسلم وقد يعلن المخطئون ندمهم او يكابرون ويحسبون أن تلونهم وتزلفهم للطاغية حذاقة او (تقية) وقد يتسنمون مواقع في العراق الجديد مستغلين خطايا الاحتلال بالاحتيال والانتحال ومحاولة البقاء بتلون الحرباء وبرك الدماء..  والرجال الاشداء وان اهملهم الغافلون او اغفلهم المهلمون يبقون أرقاماً شامخة في ضمير ووجدان الجماهير لانهم صدقوا واخلصوا في اداء تكليفهم الوطني والشرعي فلم يضطروا للتبرير او للادعاء لانهم ليس لديهم ما يمكن تبريره او تفسيره.ومن هؤلاء الفرسان والشجعان الذي قالوا (لا) للطاغية صدام ولم يضطروا ولو تقية على اطلاق(نعم) في زمن التدجين والترويض والتزلف والنفاق. واصحاب اللاءات قليلون ومعدودون في زمن حصره البعث لخدمة الطاغية وحده فلم يتفوه بـ (لا) الا المخلصون وستكون ضريبة لائهم عمود مشنقة يشبه (لا) لكنها بالمقلوب..

في سنوات الصمت والخنوع والرعب البعثي انبرى السيد موحان الجابري ليواجه أبشع نظام بوليسي اجرامي في العراق والمنطقة فاختار موقعاً يوفر له حركة اوسع وجهد اسرع في نشاطه المعارض فانتقل من بغداد الى ميسان سنة 1982 ووجد اهلها الكرام عيناً ساهرة وقلباً حاضناً له من عيون ازلام النظام وجواسيسه. ثمة ثقافة خطيرة تكرست في الواقع العراقي المعارض في بدايات الثمانينات من القرن الماضي وهي ثقافة الهزيمة والمظلومية والاختفاء وهي بحد ذاتها كانت تشكل موقفاً معارضاً وغاية ما يمكن ان يكون معارضة هو الخروج من همينة وسيطرة النظام ولو بالاختفاء والهروب والتنكر.

واما الراحل المجاهد موحان الجابري فقد غادر هذه الثقافة وانسلخ منها واثبت ان المعارضة الحقيقة هي ليست الاختفاء من النظام بل مواجهته وانتقاء الاساليب الفاعلة في الحاق الاذى بمفاصل النظام الاجرامي فقام بتشكيل خلايا سرية أرتبطت وامتدت من ميسان الى بغداد والنصرية والبصرة فبادر الى الكفاح المسلح تحت راية شهيد المحراب آية الله العظمى السيد محمد باقر الحكيم (قدس) ونفذت مجاميعه عمليات جهادية نوعية هزت اركان السلطة البعثية في بغداد وبقية المحافظات وانزل الرعب في قلوب ازلام السلطة الامنية وباغت مخابرات النظام ومديريات امنه في عمليات جريئة وفاعلة.

ونتيجة هذه العمليات النوعية الجريئة تعرضت مجاميع الراحل موحان الجابري في بغداد الى اعتقالات وحشية وانكشفت بعض خيوط تنظيمه في بغداد فأصبحاً هدفاً مهماً لعناصر السلطات الامنية في بغداد وعمم اسمه وصورته في محافظات العراق لالقاء القبض عليه واستنفرت سيطرات العراق كافة للبحث عنه. وبقى مطارداً من قبل الاجهزة الامنية السابقة لكنه لم يستسلم او ينهزم بل بقي صامداً كالاسد لا تهزه تهديدات اجهزة السلطة القمعية حتى انطلقت انتفاضة شعبان الخالدة في اربعة عشر محافظة لتعلن استفتاءً دموياً لرفض النظام البعثي الاجرامي وكان للراحل موحان الجابري دور مهم في الحضور الفاعل في هذه الانتفاضة.

وبعد الاخفاق في تحقيق اهداف الانتفاضة لاسباب دولية واقليمية ومحلية لا مجال لذكرها استعاد الفقيد موحان الجابري دوره الكفاحي من جديد مستعيداً تشكيل خلاياه السرية وارتباطاته الخيطية دون مكترث ببشاعة ووحشية النظام البعثي البائد. وقد نصحه الاخرون بضرورة الهجرة الى ايران لتفادي المطاردة الامنية والتخلص من قبضة النظام الاجرامية لكنه ابى الا ان يواصل جهاده داخل الوطن ما دام هناك مساحة للتحرك والحاق الاذى بالنظام.وبعد الاجراءات الامنية المكثفة في عموم العراق ومحافظة ميسان بحثاً عن قادة الانتفاضة وثواراها وتواصل الحصار الامني على هذه المحافظة ضاقت الارض بالراحل الفقيد موحان الجابري بما وسعت واشتدت به المحن فاضطر مرغماً وبغير ارادته بالهجرة الى ايران لانتقاء مواقع اخرى لمواصلة الجهاد والمواجهة بحسب ما توفره له هذه الحركة من اليات اوسع لديمومة الكفاح المسلح.

واثناء وصوله الى الحدود الايرانية مع عائلته مجتازا ومتجاوزا الكثير من السيطرات في خفاء الليل سطر ملحمة اخرى في الايثار والمواساة لابناء شعبه فرفض الدخول مع عائلته حتى تسمح السلطات الايرانية المعنية بالسماح لكل العوائل التي جاءت معه قرب الحدود مع ايران بالدخول فقد استحصل موافقة خاصة بالدخول مع عائلته كونه معروفاً لدى المجاميع الجهادية المرابطة بالاهوار فرفض ذلك بقوة وبقيت عائلته في رمضاء الحدود اللاهبة كورقة ضغط على الايرانيين للسماح بدخول بقية العوائل الى ايران.

وقد اثبت في تلك اللحظات الصعبة والحرجة تفانيه ومواساته لابناء وطنه دون الاستئثار بما منح من امتيازات بسبب مواقفه الجهادية ضد النظام البائد. ولما استجابت الجهات الايرانية المعنية لمطالبه بدخول كل العوائل الماكثة على الحدود اوصل عائلته الى مكان آمن ليواصل جهاده وارتباطه مع القواعد الجماهيرية المؤمنة ولم يركن للدعة والراحة والاستجمام طيلة مكوثه خارج العراق.

وبعد سقوط الطاغية في التاسع من نيسان سنة 2003 لم يتاجر بجهاده في سوق المزايدات الفضائية والاعلامية ليقبض ثمنه مواقع زائلة وبعض حطام الدنيا بل اسرع بالعودة الى الوطن ليبدأ عهداً جديداً في محافظة ميسان التي حررت نفسها بسواعد مجاهدي الحركة الاسلامية بدون تدخل من القوات الاجنبية فشكل مع اخوانه حكومة محلية تحت عنوان الهيئة المشرفة العليا لتسيير الوضع الامني والاداري والسياسي في المحافظة وتقديم الخدمات للمواطنين فكان مثالاً رائعاً في استيعاب الناس واحتوائهم بروح معتدلة ومتعقلة بعيدة عن الثارات والتعصب والانتقام فكان الراحل الفقيد موحان الجابري صمام امان وضمانة تمنع حدوث كوارث وصراعات عشائرية في محافظة ميسان.

رغم انتمائه لحركة حزب الله في العراق لكنه كان قلباً نابضاً بالمحبة والوحدو والانسجام وروحاً تحتضن كل ابناء العراق دون تمييز بين طيف سياسي او طرف حزبي فطالما أسرع لحقن الدماء وفك النزاعات السياسية والعشائرية وتوسط لاصلاح ذات البين ومساعدة المحتاجين والفقراء. كان يحب الجميع حتى الذين يضمرون له العداء وكان متسامحاً ومحباً للخير والتعاون وكان منفتحاً على الجميع لكنه كان صلباً في مبادئه لا يجامل عليها ولا يداري الاخرين او يجاريهم على حسابها.

وكان من الانصار المحبين لمنهج وخط شهيد المحراب وكان يوصي مقربيه ومحبيه بضرورة التمسك بخط المرجعية الدينية لكنه كان قلقاً من التغلغل البعثي في مؤسسات العراق الجديد وطالما حذر من خطورة هؤلاء الذين يمتلكون فناً في التلون والنفاق والتبرقع بالف قناع.

 غادرنا الراحل موحان الجابري ونحن لما نكمل المشوار ولكنه سيبقى قرير العين مازال في مسارنا منهج وفكر شهيد المحراب ورؤاه وسنواصل الدرب الذي سار عليه فقيدنا الراحل الى النهاية.

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
المقالات لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
التعليقات
سيد احمد
2008-08-19
بسمه تعالى السيد الجليل ميثم المبرقع بارك الله فيك وشكر سعيك واجرك الله بفقدان هذا الرجل العظيم بما للكلمة من معنى فهو عظيم في شجاعته وصبره ووفاءه وتضحياته في سبيل الاسلام رحل عنا تاركا قلوبنا تنزف دما لفراقه وعيوننا تهمل دمعا مشتاقة لؤيته فسلام عليك يا ابا مريم ايها المجاهد الغيور يامن تأسيت بجدك امير المؤمنين فلم تغرك الدنيا بزخرفها انما اردت رضوان الله فسلام عليك من قلوب تتحرق لفراقك وشكرا جزيلا لك سيد ميثم المبرقع
ابن ميسان
2008-08-18
بارك الله بك على هذه الاسطر النورانية لقد قلت حقا وتطقت صدقا نعم انه الرجل المجاهد مثال للاخلاص والتضحية من اجل العراق وااسلام لقد عرفنا منه9 الصفات الحميدة حينما كان مجاهد وحينما اصبح نائبا للمحافظ ولم تغيره المناصب انه بقي صامدا وصابرا امام الطغيان وامام النفس الامارة بالسوء لقد عرفنا منه الايثار بنفسه من اجل خدمة الاخرين حيث كان في الايام الاخير لابد منن سفره للعلاج لخطورة المرض الاانه اثر البقاء من اجل خدمة عوائل الشهداء والسجناء والمهاجرين لتوزيع الاراضي رغم اعتراض بعض مسؤولي المحافظة
سرايا السيد موحان الجابري
2008-08-18
الى كاتب هذا المقال لاشلت يمينك ولاكلت اناملك وقد قلت حقا ونطقت صدقا وهذا الرجل هو المجاهد الغيور الذي قدم نفسه قربانا للاسلام فقد رحل وترك عائلته بلا منزل ولاارث من الاموال انما ترك ارثا في قلوب المؤمنين والمحبين وهو الرجل المتواضع الذي لم تغيره الناصب والمسؤوليات ولنا عتب على ابناء الحركةالاسلامية فانهم لم يؤدوا واجبهم تجاه الفقيد وعائلته بابسط الاشياء وهو حفل تأبيني بهذه المناسبة فلك كل الشكر والتقدير والامتنان
علي الجابري
2008-08-18
شكر وتقدير للاستاذ الفاضل ميثم المبرقع وجزاك الله خير جزاء المحسنين عائلة الفقيد السيد موحان الجابري
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
دينار بحريني 0
يورو 0
الجنيه المصري 0
تومان ايراني 0
دينار اردني 0
دينار كويتي 0
ليرة لبنانية 0
ريال عماني 0
ريال قطري 0
ريال سعودي 0
ليرة سورية 0
دولار امريكي 0
ريال يمني 0
التعليقات
محمود الراشدي : نبارك لكم هذا العمل الجبار اللذي طال إنتظاره بتنظيف قلب بغداد منطقة البتاويين وشارع السعدون من عصابات ...
الموضوع :
باشراف الوزير ولأول مرة منذ 2003.. اعلان النتائج الاولية لـ"صولة البتاوين" بعد انطلاقها فجرًا
الانسان : لانه الوزارة ملك ابوه، لو حكومة بيها خير كان طردوه ، لكن الحكومة ما تحب تزعل الاكراد ...
الموضوع :
رغم الأحداث الدبلوماسية الكبيرة في العراق.. وزير الخارجية متخلف عن أداء مهامه منذ وفاة زوجته
عمر بلقاضي : يا عيب يا عيبُ من ملكٍ أضحى بلا شَرَفٍ قد أسلمَ القدسَ للصُّ،هيونِ وانبَطَحا بل قامَ يَدفعُ ...
الموضوع :
قصيدة حلَّ الأجل بمناسبة وفاة القرضاوي
ابراهيم الجليحاوي : لعن الله ارهابي داعش وكل من ساندهم ووقف معهم رحم الله شهدائنا الابرار ...
الموضوع :
مشعان الجبوري يكشف عن اسماء مرتكبي مجزرة قاعدة سبايكر بينهم ابن سبعاوي
مصطفى الهادي : كان يا ماكان في قديم العصر والزمان ، وسالف الدهر والأوان، عندما نخرج لزيارة الإمام الحسين عليه ...
الموضوع :
النائب مصطفى سند يكشف عن التعاقد مع شركة امريكية ادعت انها تعمل في مجال النفط والغاز واتضح تعمل في مجال التسليح ولها تعاون مع اسرائيل
ابو صادق : واخیرا طلع راس الجامعه العربيه امبارك للجميع اذا بقت على الجامعه العربيه هواى راح تتحرر غلسطين ...
الموضوع :
أول تعليق للجامعة العربية على قرار وقف إطلاق النار في غزة
ابو صادق : سلام عليكم بلله عليكم خبروني عن منظمة الجامعه العربيه أهي غافله ام نائمه ام ميته لم نكن ...
الموضوع :
استشهاد 3 صحفيين بقصف إسرائيلى على غزة ليرتفع العدد الى 136 صحفيا منذ بدء الحرب
ابو حسنين : في الدول المتقدمه الغربيه الاباحيه والحريه الجنسيه معروفه للجميع لاكن هنالك قانون شديد بحق المتحرش والمعتدي الجنسي ...
الموضوع :
وزير التعليم يعزل عميد كلية الحاسوب جامعة البصرة من الوظيفة
حسن الخفاجي : الحفيد يقول للجد سر على درب الحسين عليه السلام ممهداً للظهور الشريف وانا سأكمل المسير على نفس ...
الموضوع :
صورة لاسد المقاومة الاسلامية سماحة السيد حسن نصر الله مع حفيده الرضيع تثير مواقع التواصل
عادل العنبكي : رضوان الله تعالى على روح عزيز العراق سماحة حجة الإسلام والمسلمين العلامة المجاهد عبد العزيز الحكيم قدس ...
الموضوع :
بالصور ... احياء الذكرى الخامسة عشرة لرحيل عزيز العراق
فيسبوك