المذكرات التي نشرتها عن زمن طاغية العراق وموقفه ورفاقه من الحسين {ع} ومن الشعائر الدينية الشيعية تركت حرقة في القلوب لا تزول مع تقادم الزمن. وحين اكتب هذه الممارسات الفرعونية مع الجمهور الحسيني لألقم من يقولون عن ذلك النظام انه { الزمن الجميل} لأني عشت جمال تلك الفترة بكل تفاصيلها.
كانت المجالس تعقد غالبا في البيوت بصورة سرية وكنا نتخوف ان يسمع الجيران صوت بكاء الحاضرين او صوت الخطيب. وقد اقمت ماتما في بيت الاخ فؤاد نعمة في منطقة شارع الجنابي . بمناسبة بناء داره العامرة. كنا نستغل فترة الظهر حيث اصوات اصحاب المصالح في محلاتهم لتصليح السيارات.. واتذكر اني قرات شرح سورة الكوثر عام 1995م بحضور السيد نور ال شبر والحاج كويز والحاج سالم وسيد شعبان رحمهم الله تعالى.
مجلس المرحوم ابو كامل الخفاجي في صبخة العرب: هذا الرجل نموذج خاص كما رايته. كان يعقد مجلسا حسينيا في بيته ويدعو جماعة يثق بهم ونتفرق بعد انتهاء المجلس. وبعد سنوات اقرأ عنده توسع المجلس بحيث اصبح عددا من الحاضرين يجلسون خارج الغرفة{الخاصة للاستقبال] وعلم افراد الحزب القائد لعنهم الله جميعا ان في بيت ابي كامل الخفاجي نمارس جريمة عقد مجلس حسيني. صادف ان جاءت امراة بكيس رز وذبيحة واهدتها للمجلس. فطلب مني متفضلا صاحب المجلس ان اقرأ لهم يوم العاشر عام 2001م مصرع الحسين فقط. وتم اعداد الطعام.
كنت استغل سيارة مستأجرة لعشرة ايام . معي السائق فقط. دخلنا من الشارع المؤدي للمجلس فاعترضنا شابان ملثمان لم اعرفهما لحد الان. كانا خائفان جدا . قالا لي شيخ اهرب لا تذهب الى الحسينية لان الامن والحزبيين ينتظرونك لاعتقالك. فخاف السائق وطلب مني ان انزل من سيارته. وهربا الشابان . وانا سلكت عكود ضيقة وذهبت مشيا على الاقدام.. بعد ايام جائني ابو كامل فرحا. وهو يحمد الله اني لم البي طلبه .. فاخبرته بقصة الشابين . فحمد الله كثيرا. قال : بعد ما اعددنا الطعام وكنا نستمع الى مقتل الحسين {ع} بصوت الشيخ عبد الزهراء الكعبي[ رحمه الله] هجم علينا فصيل مدجج بالسلاح يرتدون الزيتوني وصاروا يفتشون البيت ويطلقون اتهامات علينا.. خونه .. اعداء الثورة والحزب. تحبون الحسين اكثر من الرئيس القائد صدام حسين. ثم تقدم مسخ بعثي ووضع قدمه في قزان الرز ودفعه للارض. ثم تبعه بقزان الحساء{ المرق] وانهزم الناس وصاروا يبحثون عن الخطيب.ولما لم يعثروا عليك بقي منهم ثمانية ينتظرونك. ولكنك الحمد لله لم تأت.
في الزمن الجميل كان المسخ البعثي يضايقون المجالس الحسينية بطرق عديدة منها يلقون القبض على الشباب ويسوقونهم كمتطوعين[ للجيش الشعبي] في يوم من الايام اثناء رجوعي الى البيت رايت مفرزة حزبية تقطع الشارع على المارة. تاخذ السيارات { سخرة] او صخرة كما يسميها اهل البصرة. ويلقون القبض على الشباب وكثيرا ما كنا عمليات ركض وهروب ومطاردة وراء من يسمونهم متطوعين.
لما مررت امام المفرزة لم اسلم عليهم والله شاهد . ولكن سمعت احدهم شتم عرضي . تمالكت نفسي لان أي رد عليهم يعني اعتقال { بمنتهى الديمقراطية البعثية} وعرفت الذي شتمني لانه من منطقتنا . المضحك المبكي.. بعد سقوط النظام كنت متوجها الى بيتي وجدت الطريق مقطوعا على السيارات لان هناك ما يسمى موكب يقطع الطريق على المارة يوزعون لبلبي . فطلبت من احدهم ان يفسح لي الطريق فرد علي ردا ينم انه غير متربي{قال عود انت لابس عمامة ] وتريد ما نوزع ثواب. فقلت له منو كبيركم صاحب الموكب. فنادوه .. واذا هو الذي كان امر المفرزة الحزبية وهو الذي شتمني.. ابتسمت وقلت له : رفيقي ارجوك افتحوا الطريق للناس. فلبى طلبي خوفا ان يتوسع الموضوع . وهؤلاء مع الاسف نجد كثير منهم اصحاب مواكب وحسينيات ورواديد ..
اخر مجلس لي في زمن الطاغية : في الايام التي سبقت الهجوم الامريكي ودخول البعثيين الانذار وجدوا انفسهم لوحدهم في الساحة . يقول تعالى:{ ولا تكونوا كالذين نسوا الله فأنساهم أنفسهم أولئك هم الفاسقون} اتفقت مع متولي جامع السيد ناصر في منطقة السيمر مقابل جامع المعرفي . وفعلا بدات ارتقي المنبر . والاجواء السياسية تتلبد بالغيوم يوما بعد يوم. والاحداث تتسارع . وصارت الاسواق تغلق ابوابها بعد الساعة الخامسة عصرا . والناس يعودون الى بيوتهم قبل مغيب الشمس. وحين اخرج بعد المجلس ذاهبا الى بيتي كنت استوحش من الطريق.
كنت ارى البعثيين بوجوه شاحبة حاقدة على الناس يريدون فريسة لاخر فرصة ينتقمون من خدام الحسين{ع} والحقيقة كنت اخاف حين ارجع للبيت ليلا. بالمقابل تراجع عدد الحاضرين الى الربع . سالني المتولي ان نستمر في القراءة او نتوقف.؟ فوجدتها فرصة لاخبره عن وضعي. قال ونحن نخاف عليك حين تغادر لوحدك. توقفنا قبل هجوم القوات الامريكية بليلتين . وبدات الحرب بين امريكا وبين من جاء بهم الى العراق بسياسته الرعناء. وحين سقط النظام جاءني متولي جامع السيد ناصر يبتسم وقال لي شيخ حافظ نطلبك اربعة ايام . قلت ساستانف من الليلة . وتم الاعلان عن وجود مجلس جسيني ربما في العراق بدون حزب البعث الذي رمي في مزابل التاريخ .. وحين وضعوا امامي لاقطتين سالتهم لمن الثانية . قالوا للسماعات الخارجية . وكنت اول من قرأ بالسماعات الخارجية في البصرة يوم 10/4/2003
اما اول مجلس اقيم في الشارع.. هو مجلس الباعة في سوق الاخشاب المستعملة من قبل عشيرة البة دراج والدبيسات في سوق البصرة القديمة وكان المجلس بمناسبة وفاة عميد المنبر الحسيني الشيخ احمد الوائلي طاب ثراه . يشهد الله كنت اشعر بقشعريرة في بدني لاني لم اتعود بالقراءة في الشارع.. ثم اتذكر ان الله كفانا شر البعث وزمنهم القبيح .
https://telegram.me/buratha