د.أمل الأسدي ||
بعد سبع وعشرين سنة ومازلتَ حاضرا بيننا، تُری هل هذا ما تعنيه الشهادة؟
في كل يوم ظهرا، أسمع صوتك وأنت تطلب من أمي أن تغرف لك القليل من الرز:
- يمه.. صبيلي بالطاوة من تفرگعين
فتمسك الملعقة وتأكل اللقمات الحارة وأنت سعيد جدا بهذه البساطة، حيث بيتنا النظيف، ولمپة أمي، وراديو أبي، وصوت الشيخ الوائلي!!
أنتَ أيها الشاب الذكي جدا، الطيب جدا، من عائلةٍ كادحة، الأب يعمل والأم تعمل والإخوة يدرسون ويعملون(عماله.. باعة..صناع..) وأنت مثلهم، تدرس وتعمل... حتی تخرجت من كلية الصيدلة كما تخرج إخوتك من كلياتهم!
من سرق عمرك؟ لقد تعبتَ كثيرا وأنتَ تدرس، تمشي من السطح الی(البيتونه) والطباشير بيدك، سهرت كثيرا، وبذلت مجهودا، كنت تعمل وتدرس، اشتريت وبعت وجمعت وكافحت... أملا بيومٍ قادمٍ تستقر فيه!
أنتَ أيها الطيب، دمعتك قريبة(احنين يبو گلب الطيب)
كنت ترجو أن تموت قبل أي فرد من أفراد أسرتك حتی لا تحزن علی أحد منهم!
احنين... مازلت أتذكر وجهك الحزين ودمعتك علی كلبٍ صغير مصاب، جلست وطحنت له حبة البراسيتول، وأفرغت كبسولة الالتهابات وعالجته بيديك!
(امعدل يابو طول الحلو، يالهيبة) كنتَ منظما جدا، وحريصا ودقيقا، تحتفظ بالأشياء القديمة والأوراق القديمة، ولا تحرك شيئا من مكانه إلا وأعدته كما كان!
كنت أنيقا، وتحب العطور كثيرا، ومن يفتح خزانتك يندهش من تنظيمها ونظافتها، وتسحره رائحة العطور.
(يابو النفس الطيبة) كنت كريما، ناكرا لذاتك، لم تفكر يوما بفردانية أو أنانية، إذ تری نفسك وإخوتك فردا واحدا!!
حازم، كنت تحب( اللمة) تحب أخواتك وأولادهن، تحب الاجتماع علی سُفرة واحدة، ولاسيما يوم الجمعة، إذ تستلذ بطعم(البيض والبصل) من يدي أمي صباحا، وبـ(الطاوة الفافون الچبيرة).. كنت أجلس جنبك دوما... وكانت أمي، تنظر إلينا جميعا وهي سعيدة جدا، وكأنها تملك الدنيا!
أخي، أيها المؤمن، أيها الموالي، كيف سرقوا عمرك؟
كيف هدّم بيتنا تقريرٌ طائفيٌّ أصفر من يد صفراء!!
أخي حازم، ماذنبك حتی تتعذب في السجون والمحاجر؟
ماذنبك حتی يصعقوك بالكهرباء؟
أيها الشاب الشريف، كيف حرموك من ابنك؟ وكيف يتّموه وعمره أيام معدودة؟؟
سبعٌ وعشرون سنة ومازالت أمي تنوح، انتقم الله من الرؤوس الطائفية الكبيرة وسحقها بعد بضع سنوات من شهادتك، ومازالت أمي تنوح!
يبني.. انا ردتك ما ردت دنيا ولا مال
اتحضرني لو وگع حملي ولا مال
يا حازم يمه.. خابت ظنوني والآمال
وكت الضيچ يبني اگطعت بيه
أخي، في مثل هذه الليلة عام 1996، لم أكن أعلم أنها ليلتك الأخيرة، ولم أكن أعلم أنك قد حسمت موقفك، وأنك ستمضي صابرا صائما محتسبا!!
ماذا أقول اليوم؟ لن أقول شيئا...
بل قلتُ كل شيء!!
قلتُ: إنك حسمتَ موقفكَ ومضيت صابرا صائما محستبا!!
https://telegram.me/buratha