المقالات

فدرالية العراق: فشل ام نجاح.. وماذا بعدها ؟


د.جواد الهنداوي ||

 

 قصدتُ أنْ يكون العنوان هكذا ” فدرالية العراق ” ، وليس “النظام الفدرالي في العراق “، لأننا لم نلتزمْ كُلياً بمبادئ واصول النظام الفدرالي ،و انما ابتكرنا فدرالية على أهواء و رغبات و نوايا المكوّنات ،وخاصة المكوّن الكردي ، وهو المعني بالامر اكثر من غيره من باقي المكونات الاخرى ( الشيعة والسنة والاقليات الاخرى) .

الفدرالية او الاتحاديّة نظام يعالج شكل الدولة ، وليس نظامها السياسي ( دستوري ،برلماني ،رئاسي ،شبه رئاسي ،الخ …) ، فيحوّلها من دولة بسيطة الى دولة نصفهُا اتحاديّة او فدرالية او مُرّكبة .  بطبيعة الحال ، هناك علاقة تداخل بين النظام السياسي للدولة وشكل الدولة ، وصلة او نقطة التداخل هي صلاحيات ومسؤوليات السلطات الدستورية للدولة ( السلطة التشريعية (البرلمان ) والسلطات التنفيذية ( رئاسة الدولة و رئاسة الوزراء) .

  العلاقة بين فدرالية الدولة ونظامها السياسي تعني ما يصيبُ الاولى (الفدرالية ) يُصيب الثاني ( النظام السياسي ) ،اذا حَسُنَ رسم وتنفيذ الفدرالية ،حَسُنَ مسار النظام السياسي ،والعكس صحيح . اذا كانت النوايا من جعل العراق فدرالي هي تعزيز الوحدة الوطنية وترسيخ الديمقراطية والحفاظ على سيادة و مكانة العراق كدولة ، وتبني حكماً رشيداً ، ينجحَ النظام السياسي في بناء الدولة وتطوير المجتمع وتحقيق العدالة . أمّا اذا كانت النوايا من تطبيق الفدرالية كمحطة في مسار نحو الانفصال و نحو تجزئة العراق ،عَقُمَ النظام السياسي وتعّطلَ بناء الدولة واصبحَ حال الشعب في معاناة وتذمّر وعدم طمأنينة وعدم استقرار . اذاً نجاح او فشل الفدرالية يتوقف على النوايا وعلى التطبيق .

بعد عقديّن من الزمن مضتْ على تطبيق فدرالية العراق ،شهَدَ العراق عام ٢٠١٧ حملة استفتاء للعراقيين في اقليم كردستان ،نُظّمت من قبل حكومة اقليم كردستان ،والهدف هو الخروج من حالة اقليم فدرالي الى حالة دولة كردية مستقلة ، الامر الذي يدّلُ على أن نوايا الاخوة الكُرد ليس الفدرالية و انما الانفصال واقامة دولة كردستان الصغرى ،على امل ان تصبح كبرى حين تضّمُ كُرد الدول المجاورة الاخرى .

حين نُقيّم تجربة فدرالية العراق نجدُ تذّمر وجزع الجميع وعدم رضاهم ، ( حكومة الاتحاد وحكومة الاقليم ، والشعب العراقي بكافة مكوناته) لا العرب و لا الكُرد في رضا من التجربة . و شاهدنا ،قبل ايام قدوم وفد كردي ،من اقليم كردستان الى بغداد ،ويطالب الحكومة بتوطين رواتب و معاشات المواطنين الكُرد والعاملين في الاقليم ،  في وزارة المالية و نقل رواتبهم من الاقليم ، ولم يعُدْ خافياً على احد عدم استقرار العلاقة بين الحكومة الاتحادية و حكومة الاقليم ،والصعوبات المالية والاقتصادية التي تواجه حكومة ومواطني الاقليم .

فدرالية العراق اصبحت  درساً و عبِرة لدول المنطقة ( ايران ،تركيا ،سوريّة ) ولشعوبها عرباً و كُرداً لتفادي تكرارها في الدول المذكورة ،او حتى التفكير  بحكم ذاتي او محلي للأقليّات الكُردية ، وما فاقمَ حذر الدول المذكورة ازاء طموح الكُرد هو ما تقوم به وحدات حماية الشعب الكردية في سورّية ، والتي تعتبرها تركيا واجهة و فرعا لحزب العمال الكردستاني المحظور . و لطالما وظّفتْ السياسيات الغربية وغير الغربية موضوع الاقليات في الدول الى مآرب سياسية تتعارض ،في المدى البعيد مع مصالح الاقليات ، ومصالح اوطانهم .

فدرالية العراق لم تكْ للأخوة الكُرد ( واقصد اصحاب القرار من الاخوة الكُرد ) خيارا مصيريا ، وانما خيار مرحلي ،ولم تكْ خيارا اداريا او تنظميا ،و انما خيار سياسي ،ولم تكْ للأخوة الكُرد خيارا وطنيا وانما قومي ، وفي اطار القومية الكردية بمعناه الجغرافي الواسع ، وما تقدّم من توصيفات هي ايضاً اسباب لتعثّر ( ان لم نقل لفشل ) التجربة . اقول تعثّر او فشل لأن جميع الاطراف المعنيّة بالتجربة ( حكومة اتحادية وحكومة اقليم وعراقيون في الوسط والجنوب و في الاقليم ) غير راضين .

امام اطراف التجربة خيار لتقويم مسارها ، تفرضه نتائج تقييم التجربة بعد عشرين عاماً على تطبيقها ، وتفرضه مستجدات الظروف الاقتصادية و السياسية الدولية و الاقليمية ، والتي هي ليست لصالح الكُرد . الخيار هو أنْ يؤمن الاخوة الكُرد بأنَّ الفدرالية هي خيار وطني واستراتيجي ولصالحهم ولصالح العراق الدولة ، وأنَّ فدرلتهم ليست فقط لسبب قوميتهم او لسبب رغبتهم بالانفصال ،وانما من اجل ادارة رشيدة لشؤونهم في اطار دولة العراق ، ومن الممكن غداً ان تصبح محافظة البصرة أقليما فدراليا ،فهل تستطيع ان تتولى سلطاتها ادارة البصرة بالطريقة التي يُدار بها اقليم كردستان ؟

هل ستقوم بتصدير النفط دون موافقة الدولة ؟ وهل ستتولى جباية رسوم المنافذ الحدوديّة والامتناع عن ايصالها الى خزينة الدولة ؟ وهل ستفرض قيودا واجراءات على العراقيين القادمين من المحافظات الاخرى لزيارة المحافظة ؟

فدرالية الكُرد سمحت لهم بالتمتع بمزايا الحكم الفدرالي ، وبحقوقهم السياسية كمكّون كُردي ، كمنصب رئيس الجمهورية والمناصب السياديّة الاخرى في الدولة ، علاوة على حقوقهم الوطنية كمواطنين عراقيين ،لهم كامل الحق في الوظيفة العامة الاتحادية .

أظّنُ أن على الكُرد واجب الحفاظ على المكتسبات و على الجميع وليس فقط على الكُرد واجب الولاء للعراق الدولة . و أظّنُ ،ومن اجل تقويم المسار الفدرالي ، الاحتكام للحكم الرشيد وللمنطق ( اي المعقول و المقبول ) ولما جاء بالدستور ، وتفسير الخلاف على ما ورد في الدستور بالرجوع الى معيار المصلحة الوطنية والى العدالة والى الحق ،وليس الى المعايير السياسية القائمة على الابتزاز والمنافع الحزبية و السلطويّة .

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
المقالات لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
الاكثر مشاهدة في (المقالات)
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
دينار بحريني 0
يورو 0
الجنيه المصري 0
تومان ايراني 0
دينار اردني 0
دينار كويتي 0
ليرة لبنانية 0
ريال عماني 0
ريال قطري 0
ريال سعودي 0
ليرة سورية 0
دولار امريكي 0
ريال يمني 0
التعليقات
حيدر الاعرجي : دوله رئيس الوزراء المحترم معالي سيد وزير التعليم العالي المحترم يرجى التفضل بالموافقه على شمول الطلبه السادس ...
الموضوع :
مجلس الوزراء : موقع الكتروني لإستقبال الشكاوى وتقديم التعيينات
سهام جاسم حاتم : احسنتم..... الحسين بن علي بن أبي طالب عليهما السلام.جسد اعلى القيم الانسانية. لكل الطوائف ومختلف الاقوام سواء ...
الموضوع :
الحسين في قلب المسيح
Muna : بارك الله فيكم ...احسنتم النشر ...
الموضوع :
للامام علي (ع) اربع حروب في زمن خلافته
الحاج سلمان : هذه الفلتة الذي ذكرها الحاكم الثاني بعد ما قضى نبي الرحمة (ص) أعيدت لمصطفى إبن عبد اللطيف ...
الموضوع :
رسالة الى رئيس الوزراءالسابق ( الشعبوي) مصطفى الكاظمي
فاديه البعاج : اللهم صلي على محمد وال محمد يارب بحق موسى ابن جعفر ان تسهل لاولادي دراستهم ونجاح ابني ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
محمد الخالدي : الحمد لله على سلامة جميع الركاب وطاقم الطائرة من طيارين ومضيفين ، والشكر والتقدير الى الطواقم الجوية ...
الموضوع :
وزير النقل يثني على سرعة التعاطي مع الهبوط الاضطراري لطائرة قطرية في مطار البصرة
Maher : وياريت هذا الجسر يكون طريق الزوار ايضا بأيام المناسبات الدينية لان ديسدون شارع المشاتل من البداية للنهاية ...
الموضوع :
أمانة بغداد: إنشاء أكبر مجسر ببغداد في منطقة الأعظمية
ساهر اليمني : الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ ...
الموضوع :
السوداني : عاشوراء صارت جزءا من مفهومنا عن مواجهة الحق للباطل
هيثم العبادي : السلام عليكم احسنتم على هذه القصيدة هل تسمح بقرائتها ...
الموضوع :
قصيدة الغوث والامان = يا صاحب الزمان
فيسبوك