عدنان جواد ||
شهدت القارة الافريقية اكثر من (224) محاولة انقلاب صريحة، حيث تعرضت(45) دولة من اصل(55) دولة لمحاولة انقلاب حتى نهاية عام 2022، وكانت الانقلابات في البداية تتمثل في التخلص من الاستعمار وتأسيس نظام حكم وطني من الشعب، والثاني بالتحول الديمقراطي، وبدات هذه الانقلابات ومنذ عقد الثمانينات، خلال الحرب الباردة، كانت افريقيا تعاني من عدم الاستقرار السياسي والاقتصادي وحروب بالوكالة، والصراعات العرقية والعنفية، ووجود انظمة شخصية استبدادية وفاسدة وفي نهاية الحرب الباردة وتسيد الولايات المتحدة الامريكية ومعها الغرب على العالم بعد انهيار الاتحاد السوفيتي، تم انهاء عمر الكثير من الانظمة، مرة بالربيع العربي ونشر الديمقراطية والحرية، واخرى بإرادة الشعوب للتغيير، وانهاء الانظمة الشمولية، التي كانت تحكم بالحديد والنار، ولكنها تركت الكثير من تلك الانظمة الظالمة لشعوبها!، فتولت انظمة جديدة مطيعة للغرب، تلقت مساعدات بدعوى الاصلاح الديمقراطي، والقيام بتهيئة صناديق الانتخابات كتعبير عن الديمقراطية، وقد ساهم هذا التحول الى الحد من الانقلابات، لان الشعوب كانت تتأمل ان تصبح مثل الدول الديمقراطية، تحكمها المؤسسات والقانون، وتعطي كل مواطن حقه ، ولكن هذا الهدوء لم يدم طويلاً، وكان هذا الاستقرار خلال فترة التسعينات والعقد الاول من القرن الحادي والعشرين، وفي الفترة ما بين عام 2020ــــ 2023 شهدت افريقيا (11) محاولة انقلاب تسع منها ناجحة في دول ، النيجر والسودان، ومالي، وتشاد، وغينيا، وبوركينا فاسو، والغابون، والسبب في عودة الانقلابات، وبرغم ادعاء الديمقراطية والحرية، هو الفساد وانتعاش طبقة الحكام على حساب اغلبية الشعب، وضعف الاستقرار السياسي والنمو الاقتصادي، وضعف تطبيق القانون، والتشبث في المناصب الحكومية وتزوير الانتخابات واستغلال المال السياسي وموارد الدولة في الدعاية الانتخابية، والتصرفات غير المسؤولة من جانب الطبقة السياسية، مثل سرقة موارد الدولة، والفشل في توفير الامن للجميع، والغضب الشعبي ضد الوجود الفرنسي، اضافة الى تردد الولايات المتحدة الامريكية في فرض عقوبات على الدول التي حدثت فيها انقلابات، هي وفرنسا تفضل الانسحاب على التدخل العسكري في الوقت الحاضر، لان لها مصالح وشراكات امنية واقتصادية كما في حالة النيجر والغابون، وفي المقابل دعم الدول العظمى الصاعدة المنافسة للقطب القديم امريكا والغرب، الصين وروسيا برعاية تلك الانقلابات وتقديم الدعم لها، وخاصة في المنظمات الدولية بأخذ الفيتو على أي قرار يصدر ضدهم.
وياتي الانقلابيون بشعارات تلامس حاجات الناس وعواطفهم، بإيقاف سرقة الثروات، واعادة حكم القانون، ومحاربة الفساد ، واعادة السيادة، والتأكيد على الوحدة الوطنية، وتعزيز البنية التحتية والاقتصاد الوطني، وقطع الوعود بعودة الديمقراطية خلال فترة انتقالية، وبعد محاسبة الفاسدين ، وتحقيق العدالة، وتوزيع الثروة للجميع.
وتبين ان الديمقراطية في افريقيا والشرق الاوسط مجرد دعايات امريكية للتمكن من السيطرة على ثروات تلك الدول، وكما قال المفكر الامريكي نعوم شومسكي: "ان الولايات المتحدة الامريكية تخشى قيام أي ديمقراطية حقيقية تعكس الراي العام للشعوب في منطقة الربيع العربي" ويضرب مثلاً على الانتخابات التي جرت في فلسطين، وفازت فيها حماس لكنها لم تتعامل معها، فاذا كانت تؤمن بالديمقراطية والانتخابات لماذا لا تتعامل مع من انتخبه الشعب؟!!، والسبب معروف لان حماس تعلن المقاومة لإسرائيل، واضاف شومسكي ان الحروب القادمة هي التجويع والاغتيالات والحروب الالكترونية ، وكما تمارس الان ضد ايران.
وان ما يحدث في افريقيا يمكن ان يتكرر في الشرق الاوسط وخاصة الدول التي تغيرت انظمتها من الدكتاتورية الى الديمقراطية، والعراق ودول اخرى التي تغيرت انظمتها، وتولت الولايات الامريكية اسقاط انظمتها السابقة بصورة مباشرة وغير مباشرة، وتبنت رعاية انظمتها الديمقراطية الجديدة، ولكن بقت تلك الديمقراطية هشة، والدولة ضعيفة تتدخل فيها الدول، وتستباح حدودها وتقطع مياهها من جيرانها، ناقصة السيادة، جعلت الاقليم اقوى من المركز، فهذا الحزب الديمقراطي الذي يحكم اقليم كردستان، وهو دولة داخل دولة، يثير المشاكل ويخلق الازمات المتتالية، منها المالية والاقتصادية، والذي يخرق القوانين المركزية، ويدخل المواد الغذائية والانشائية وبدون الالتزام بقوانين الدولة ، فيتلاعب باقتصادها، ويأوي المجرمين والهاربين من القانون ويحميهم، والطبقة السياسية تجامل على حساب المواطن، وهم اليوم يحتفلون بالذكرى السنوية السادسة بالاستفتاء على الانفصال، والوسط والجنوب يعاني الفقر والعوز والامراض، والاموال المخصصة لهم تذهب لجهات تعطل تطور الدولة وجيوب الفاسدين، فعدد الفقراء في العراق عام 2023 وحسب توقعات الخبراء(13) مليون مواطن، وسبق وان اعلن المتحدث باسم وارة التخطيط عبدالزهرة الهنداوي في عام 2022 ان عدد الفقراء يقدر بأكثر من(10) ملايين مواطن، بنسبة تجاوزت 25%، وتخطت محافظة المثنى(السماوة) ال(50%) تليها محافظة الديوانية وذي قار وميسان، التي تتراوح نسبة الفقر فيها ما بين 45 ـــ 48 %، فيما تتراوح نسبة الفقر في بقية المحافظات ما بين 20 ـــ37%، وهي نسب مخيفة في بلد غني بالثروات، يقابله غنى فاحش ورفاه وعقارات ومليارات الدولارات للطبقة الحاكمة، وهذه الفوارق الطبقية واستغلال السلطة في الاستحواذ على المال العام سوف يولد انفجاراً، وقد يدفع قادة العسكر للانقلاب عندما يرون شعبهم يرفض تلك الطبقة السياسية رفضاً قاطعاً، لذلك عليهم تدارك الامور، وتوزيع الثروة لأصحابها الفقراء، والكف عن سرقة المال العام، وتطبيق القانون على الجميع، وممارسة الديمقراطية الحقيقية ، وليست التي تزور الانتخابات وتعيد الوجوه الفاسدة مرة اخرى.
https://telegram.me/buratha