محمد عبد الجبار الشبوط ||
لعل ابسط تعريف للدولة الحضارية الحديثة هو انها الدولة التي تُحسن استثمار عناصر المركب الحضاري الخمسة وفق منظومة قيم عليا تتبناها. العناصر الخمسة هي: الانسان والارض والزمن والعلم والعمل. ومنظومة القيم العليا هي المباديء والمؤشرات الحاكمة على طريقة اشتغال هذه العناصر ونسق التفاعلات بينها. وتمتاز هذه القيم بصفة انسانية عامة يمكن ان تشترك فيها مختلف المجتمعات الانسانية، دون ان يؤدي ذلك الى هدر خصوصيات هذه المجتمعات الثقافية والدينية والقيمية. على الصعيد العالمي نملك الان وثيقتين مهمتين اقرتهما البشرية من خلال الامم المتحدة وهما: الاعلان العالمي لحقوق الانسان لعام ١٩٤٨ ومنظومة اهداف التنمية المستدامة لعام ٢٠١٥. وبالنسبة لمجتمعات العالم الاسلامي يمكن ان يكون القران مصدرا اساسيا ومهما لمنظومة القيم للدولة الحضارية الحديثة فيها.
والسؤال المطروح هو: كيف تستثمر الدولة الحضارية العليا عناصر المركب الحضاري الخمسة؟
للدولة الحضارية الحديثة العديد من الطرق التي يمكنها استثمار وتحسين استخدام عناصر المركب الحضاري الخمسة. إليك بعض الاستراتيجيات المحتملة:
1. استثمار الإنسان: تهدف الدولة الحضارية الحديثة لتطوير مهارات ومواهب الأفراد وتمكينهم من المساهمة والابتكار في التنمية. يتضمن ذلك إنشاء برامج تعليمية وتدريبية عالية الجودة تعزز التعليم والتعلم على مدار الحياة وتوفر فرص العمل الجيدة والتقنيات الحديثة للتعلم عن بُعد.
2. استثمار الأرض: تسعى الدولة الحضارية الحديثة للمحافظة على البيئة واستخدام الموارد الطبيعية بشكل مستدام. تشمل هذه الاستراتيجية حماية التنوع البيولوجي وتطوير سياسات بيئية واستدامة لتحسين أداء البيئة وتحقيق التوازن بين التنمية الاقتصادية والحفاظ على البيئة.
3. استثمار الزمن: تهدف الدولة الحضارية الحديثة إلى استثمار الزمن بفعالية من خلال تطوير خطط استراتيجية طويلة الأجل ورؤى مستقبلية. يتم ضمان تمتع الأجيال الحالية والمستقبلية بفرصة الازدهار والتقدم من خلال وضع سياسات مستدامة للتنمية الاجتماعية والاقتصادية والبيئية.
4. استثمار العلم: يجب أن تكون الدولة الحضارية الحديثة رائدة في الأبحاث العلمية والتكنولوجية وتشجيع الابتكار والاستخدام الفعال للمعرفة والتكنولوجيا. تتضمن هذه الاستراتيجية دعم الجامعات والمراكز البحثية وتشجيع الابتكار والتجارة والتعاون الدولي في مجال البحث والتطوير.
5. استثمار العمل: تهدف الدولة الحضارية الحديثة إلى تحسين فرص العمل وتعزيز الاقتصاد المستدام وخلق بيئة تجارية مناسبة للعمل والاستثمار. يتضمن ذلك تشجيع ريادة الأعمال ودعم الشركات الصغيرة والمتوسطة وتطوير قطاعات الابتكار والصناعة والتكنولوجيا والخدمات.
تجدر الإشارة إلى أن هذه الاستراتيجيات يجب أن تتكامل وتتعزز بعضها البعض لتحقيق تطور وتحسين شامل في مركب الحضارة. يجب أيضًا أن تكون هناك رؤى واضحة للمستقبل ورغبة قوية في تنفيذ الخطط والسياسات لتحقيق الهدف المنشود من الحضارة الحديثة.
ومن المهم أن نفهم أن المنظومة القيمية العليا تعتبر الأساس للدولة الحضارية الحديثة. تشمل هذه المنظومة قيما جوهرية تشكل أساس العدل والمساواة وحقوق الإنسان. تتضمن أيضًا قيما مثل الديمقراطية وحكم القانون وحرية الرأي والتعبير.
تسعى الدولة الحضارية الحديثة إلى الارتقاء بمستوى حياة مواطنيها وتعزيز العدالة الاجتماعية. تحافظ على حقوق الأقليات وتعاملها بالمساواة. تهتم بالتنمية المستدامة والحماية البيئية، وتعمل على مكافحة الفقر وتحقيق التنمية الاقتصادية.
في النهاية، يجب أن تتبنى الدولة الحضارية الحديثة المنظومة القيمية العليا لتضمن التقدم والازدهار لمواطنيها وتعيش في سلام وازدهار مع بقية الدول والمجتمع الدولي.
ولا يمكن للدولة الحضارية الحديثة أن تنمو وتزدهر من دون اعتماد المنظومة القيمية العليا. المبادئ والقيم العُليا هي التي تحدد هوية الدولة وتوجه سياساتها وتشكل أساساً للقوانين والتشريعات.
من خلال اعتماد المنظومة القيمية العليا، تكون الدولة قائمة على أسس عادلة، حيث يتم احترام حقوق الأفراد والمجتمع بشكل عام. تعمل الدولة على تعزيز العدالة الاجتماعية وحماية حقوق الإنسان وتعزيز الديمقراطية.
بدون المنظومة القيمية العليا، قد تحصل تجاوزات على حقوق الأفراد والحريات الأساسية وقد تفقد الدولة التوازن والاستقرار. قد يتفشى الفساد والظلم وتصبح السلطة في يد أقلية على حساب الأغلبية.
اعتماد المنظومة القيمية العليا يساعد على تكوين بنية مجتمعية صلبة ومتقدمة وتوازن اجتماعي واقتصادي. ويسهم في إرساء قاعدة للتلاحم والتعاون بين المواطنين وتعزيز التنمية المستدامة في جميع المجالات.
https://telegram.me/buratha