حافظ آل بشارة ||
كان الخطأ الاكبر الذي ارتكبته القوى الوطنية هو الاشتراك في العملية السياسية تحت اشراف الاحتلال دون ان تتبنى مشروعا سياسيا وطنيا، فالعملية السياسية بالاصل مصممة لكي تبلور واقعا يساعد على بقاء العراق في قبضة الاحتلال، ولا يمكن تصور عملية سياسية يصممها الاحتلال لكي تنهي وجوده وتحقق استقلال البلد واستقراره ورفاهه وتماسكه، لذلك جرت العملية السياسية على اساس عناصر تحقق الفشل كالمحاصصة، وتشجيع الفساد وتشجيع الطائفية والارهاب واشاعة الكراهية بين المكونات، والتمهيد لتقسيم البلاد، ومن البديهي ان من يشارك في عملية سياسية كهذه من اهل البلد اما ان يكون مقاوما لسياسات الاحتلال واما ان يكون مشاركا في تنفيذها، واذا اراد الساسة الوطنيون مقاومة سياسات الاحتلال فذلك يعني انهم يجب ان يشكلوا جبهة وطنية متماسكة تواجه الضغوط وتصمد وتحقق حضورا حقيقيا وتستعين بدعم الشعب وتأييده لتقف امام التحديات، ولكن ذلك لم يحدث بل الذي حدث هو انخراط الجميع في العملية السياسية ليشارك اغلبهم في تعزيز السياسات التي تساعد على ظهور الفساد المالي وتطوره، وظهور الارهاب وتطوره، وتغذية الفشل وتوقف التنمية بكل اشكالها. وبعد هذا الدور المحبط، تضخمت الخلافات بين القوى السياسية ولم تجد حزبين متفقين بل بدأت الاحزاب تتشضى من داخلها، هذه هي ثمار الخطا الكبير المتمثل بالمشاركة في العملية السياسية بدون وجود مشروع وطني بديل.
وبعد هذه التجربة المؤلمة تعددت التعليلات والتحليلات لما جرى من تحولات، فهناك من يقول ان ازمة البلد تتمثل بغياب الشخصية القيادية الرمزية التي توحد البلد ارضا وشعبا، لكن هذا محال في العراق راهنا، فسياسات نظام صدام مهدت الارضية لوضع اجتماعي يلغي دولة المواطنة ويؤسس لدولة المكونات التي لا يمكن ان يكون لها رمز وطني توحيدي، وكل مكون له رموزه وشعاراته، فقضية القائد الوطني انتهت بلا رجعة، وقائل يقول ان البلد يفتقر لوجود الساسة المخلصين، ويبدو التوصيف الاخلاقي للساسة امرا غير مفهوم، ويمكن استبداله بالتوصيف المهني فيقال ان هذا السياسي يحترم القانون والدستور وقواعد عمل المؤسسات وهذا لا يحترم، وحتى لو وجد ساسة بهذا المستوى من المهنية فلن يسمح لهم بالعمل وتقديم اي انجاز وسط غابة من الفساد المالي المدعوم، وسعي كل حزب لتحقيق مصالحه وغياب مصلحة الوطن من ثقافة اغلب المتصدين.
كذلك يبدو وضع الشعب محيرا، فالشعب مصدر الشرعية ومصدر التغيير لكنه حاليا يتهم الجميع بالفساد ويلعنهم، فاذا ظهر مصلح لانقاذه تجاهله وخذله ليضع العدو والصديق في المربع نفسه!
ـــــــــــــــ
https://telegram.me/buratha