سميرة الموسوي ||
لمناسبة إستشهاد الامام محمد الجواد عليه السلام .
_____
__ الامام محمد الجواد عليه السلام مارس الحياة بتبصر المؤمنين في ( أحلك الظروف)وفي أكثر الظروف ( إغراء بالعز) و ( المداراة) ،ظروف معيشية ( باذخة النعمة ) إجبر نفسه على قبولها مع إنها لا تتوفر إلا للأمراء والخلفاء ، ظروف لا تدع في النفس مطلبا إلا وحققته له ولأسرته ..خدم وجوارٍ وما لذ وطاب ،وأملاك وأطيان لا تتاح لغيره حتى للكثير من بني العباس .. ( هكذا نريد أن نجمع المتناقضات) في حياة الامام محمد الجواد ،فحياته المعيشية أحاطها له بنو العباس وعلى رأسهم المأمون والمعتصم بالترف والرفاه فضلا عن الظاهر من التقدير والتبجيل ، حتى إن المأمون عمد الى تزويج إبنته ( أم الفضل ) للامام ، وعلاقة التزاوج آنذاك في بعض دلالاتها هي عقود صلح وتمازج أسر وقبائل وعشائر ، ومن يدرس ما أغدقه المأمون على الامام عليه السلام ربما سيشكك بأن هذا الشاب الذي مات والده الامام الرضا عليهما السلام وهو في الثماني سنوات وتسلم الامامة بعده ١٧ عاما أي حتى وفاته وهو في سن ال٢٥ عاما ..سيشكك أن كل ما قدمه له الحاكم الظالم المغتصب قد رفضه بحنكة وأعتبره ليس سوى ( حرب ناعمة ) تهدف الى إخضاع هذا الامام الذي أذهب الله عنه الرجس وطهره تطهيرا .
__ نوعية الحياة الباذخة التي عرضوها على الامام كان ينظر لها بتدبّر ذلك الذكاء المقدس الخلاق الموروث ومن خلال رسالة الاسلام ومبادئه السامية التي حملها للبشرية النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم ،وسارع إمام المتقين عليه السلام ليضع المباديء على الارض وبمنهج الحق والحرية والعدالة والكرامة الانسانية .
__ الحرب الناعمة التي أجاد إستعمالها بنو أمية وبنو العباس لاخضاع أهل البيت خائبين كانت أسبق من كل الحروب الناعمة التي تجري اليوم علينا من أعدائنا التقليديين وتحاصر الشعب والقيادات والمفكرين والعلماء وعوام الناس فمنهم من جثا على ركبتيه ، ومنهم من إرتدى نظاراتهم الملونة ، ومنهم من تمسك بالعروة الوثقى لا إنفصام لها وتذكّر المثال الساطع ،ونبراس الشباب الامام الجواد ،فراح مسرعا سالكا طريق الحق غير مستوحش ولا متردد من قلة السالكين .
__ فلم تنفع بنو العباس مغرياتهم ،وأسليب تذويب المواقف أو تمييعها حتى فشل الطواغيت في عزل الامام عن قواعده الشعبيه في قصورهم الفارهة ..عزله عن الفقراء والمساكين والمستضعفين في الارض وعن كل من يؤمن بحق أهل البيت عليهم السلام في قيادة الامة ... كان الامام ( يقبل نوعية الحياة بطريقته الخاصة ) لكي لا ينقطع نسل أهل البيت بالتصفية الجسدية ثم ( يرفض عروضهم لتلك الحياة بطريقته الخاصة ) لكي يستمر حمله للرسالة المباركة .
__ يقول الاستاذ عادل الاديب في كتابه الائمة الاثنا عشر :( والامام الجواد ع إستمر في خط أبيه في تخطيطه الفكري ونوعيته العقائدية فكان في المدينة يجمع عنده الفقهاء من بغداد والامصار ليسألوه ويستنيروا به ) وهذا الاسلوب المقاوم البالغ الجرأة هو من صميم ( جهاد التبيين )[ : جهاد التبيين؛ كل قول أو كتابة حيثما كانت ضد التحريف والتزييف والظلم . والذي يمارسه يفوز بثواب الجهاد] . وكانت علاقته بقاعدته علنية شجاعة وإقتحامية ... ويقول الاستاذ عادل أديب أيضا ( إن زعامة الامام الجواد ( ع) كانت زعامة مكشوفة وعلنية أمام كل الجماهير ولم تكن زعامة أئمة أهل البيت في يوم ما زعامة محاطة بالشرطة أو الجيش وأبّهة الملك والسلطان بحيث تحجب الزعيم عن رعيته ولم تكن زعامتهم عليهم السلام زعامة دعوة سرية من قبيل الدعوات الصوفية والفاطمية ... بل كان يمارس زعامة مكشوفة الى حد ما ...).
__والامام الجواد كان دائم المفارقة لمراكز حكم الطغاة من بغداد الى المدينة ، وحين ضاق المعتصم بتحركاته الفاعلة التي لم يتمكن من السيطرة عليها أمر بإستدعاء الامام الى بغداد مركز الخلافة ، وحينئذ دبر مقتل الامام عليه السلام بالسم .ولكن الاستشهاد لم يكن سوى بداية جديدة للقضية.
... من كان يريد حرث الاخرة نزد له في حرثه ومن كان يريد حرث الدنيا نؤته منها وما له في الاخرة من نصيب .
ــــــــــــــــــــــ
https://telegram.me/buratha