د.أمل الأسدي ||
في حياتنا هناك نصوص خالدة، لها سلطة علی المتلقي وتأثير مستمر لايبلی مع تقادم الزمن، ومن تلك النصوص؛ نص غنائي مثّل وجع العراقيين، وعكس حال الحزن القاتم الذي كان يطحن أرواحهم، ويسرق سكينتهم، ألا وهو" بس تعالوا" وهذا النص الغنائي ثلاثي الإبداع، أي لايمكن فصل أحد محاوره عن الآخر، فلايمكن فصل المؤلف عن الملحن، ولايمكن فصلهما عن الفنان المؤدي، فالشاعر "سعدون قاسم" هو الذي أبدع النص وولده من لحظة حزن وبداية فراق موحش، والملحن" كاظم فندي" والفنان" كريم منصور" أحدهم يتمم عمل الآخر ليقدموا سمفونية الوجع العراقي الخالدة.
"بس تعالوا" جسدت أنين البيت العراقي، و" نعاوي" الأمهات المفجوعات، إذ كان قدرهن أن يربين أولادهن ويتعبن في رعايتهم، حتی إذا كبروا وصاروا شبانا، ركض خلفهم الموت كوحش بعـثي لايشبع!!
لايرتوي من دمائنا، يركض خلفهم حتی يفترسهم، ويبعثر أحلام الأمهات، ويضيّع سنواتٍ من المحبة والحنان والخوف والتعب والأمل!!
" بس تعالوا" وُلدت مع قدوم السيارات التي تحمل النعوش، فلابد للشيعة من حصص كبيرةٍ ومضمونة من الموت!
ولايكفيهم أن تخسر الأسرة فردا واحدا!! إنهم يستلذون بعذاباتنا، واحد، اثنان، ثلاثة، أربعة...
تذاكر الموت مفتوحة، كما وجع الأمهات تذكرة مفتوحة!!
" بس تعالوا" قالها "سعدون قاسم" معبرا عن فجيعتهم بثلاثة إخوة صادر البعث أنفاسهم، يقول: ما إن رأيت السيارات تحمل النعوش، أحسست أني لي حصة جديدة فيها!!
ثم سمعت أمي تنعی وتبكي مع أخواتي، فدخلت الغرفة وأغلقت الباب وبدأت أكتب وأبكي بوجع" بس تعالوا"!!!ثلاثة إخوة رحلوا وبقيت ملامحهم محيطة به، محيطة ببيتهم الجنوبي المفجوع!!
نعم...قالها: "بس تعالوا" فتلقفتها كل البيوت، ورددتها كل القلوب التي يقطّعها الفراق!!
بس تعالوا.... وما يجون
رحل الأحبة يا أماه، غادرونا ومازلنا نسمع آهاتهم!!
ماذا فعلوا؟ لم يفعلوا شيئا سوی أنهم ينتمون إلی الإنسان الأجمل، الإمام، علي بن أبي طالب(ع)!!
آه... كل البيوت تنعی بـ "بس تعالوا"
بس تعالوا... "لاحنة ولاحظ ولابخت" يعيدكم إلينا!!
بس تعالوا... مازالت أرواحكم حاضرة بيننا!!
بس تعالوا... "عصابه" الأم تنوح مثلها
بس تعالوا... عباءتكِ الصابرة العابدة!!
بس تعالوا... "عگال المعدل" يرنو بعينه إلی السماء!!
إلهي، ماذا فعلنا حتی صار نصيبنا أن ننادي: بس تعالوا؟
ــــــــــــــــــــــ
https://telegram.me/buratha