مرتضى مجيد الزبيدي ||
شهيد الإعلام حيدر المياحي، في محطات الاعلام المهني والموازنة بين العسكرية والإنسانية، رغم صعوبة هذا الأمر وندارته، فلم يكن بالطبع يسيرا ومتوفرا بمثل هذه الروحية والإمكانيات، التي فقدانها بفقده، وأصبحت منهجا وطريقا يحتذي به رفاقه ومحبيه.
جميع المؤسسات بين وقت وأخر يبرز من يمثلها خير تمثيل، بالصفات والأداء والأخلاق، ويتمكن من ان يختزل مهام الجميع وروحيتهم، فإعلام الحشد الشعبي تعدت أهميته بالنسبة الى هذه الهيئة؛ مهام التشكيلات العسكرية، مثله مثل المؤسسات الأمنية الأخرى وذلك يعود في الواقع الى سببين؛ أولهما ان اغلب الحروب تعتمد على الإعلام، تارة للتعبئة المعنوية والبشرية وبث روح الحماس، وتارة لتبيان الحقائق، وأخرى لشن الهجمات النفسية على الأعداء، وخاصة الحرب الأخيرة التي اختصت مع عصابات داعش الإرهابية، اعتمدت بشكل كبير جدا على الماكنة الإعلامية بجميع وسائلها وأدواتها، والسبب الثاني يعود الى الاهتمام البالغ من قبل هيئة الحشد بهذا الجانب، وذلك نابع من الرؤية الصائبة بمعرفة مدى أهمية الاعلام في الحروب كما أسلفنا، ونجاح فريق الاعلام الحربي بات مشهودا وواضحا كالإنتصارات العسكرية التي خطها بواسل القوات الأمنية، سواء من الحشد والجيش والشرطة الاتحادية وجهات مكافحة الإرهاب والرد السريع وطيران الجيش ومختلف المؤسسات العسكرية العراقية.
يختلف الإعلام الحربي عن سائر وسائل الإعلام تماما، مع تشابه الأدوات الرئيسة، لأنه يتعامل بفورية وخطورة، ودقة أمنية وعسكرية، كما يتعامل بحذر تام من جميع النواحي، ولا يمكن لأي إعلاميا ان ينجح بهذا الميدان، إلا اذا امتاز ببعض الصفات والخصائص التي تؤهله للخوض في غمار الحروب وتغطيتها وتوثيقها، ومنها القدرات الجسمانية والعقلية ووضوح الرؤية (البصيرة) بالإضافة الى بعض التدريبات العسكرية، والإلمام بمهنة الإعلام الحربي وحفظها عن ظهر غيب وتطبيقها بدقة، ولا ننسى العامل المهم الذي يجب ان يلازم العاملين بالإعلام الحربي، وهو رابطة الجأش وإمكانية الثبات في وجه الحروب برغم ضرواتها وبمختلف ظروفها.
"حيدر المياحي" من الناحية الوطنية ولد في بغداد عام 1975، ولم يكتف برفض الإرهاب في أعوم ما بعد 2004 ، بل انتفض ضد ذلك مساندا الجهات الأمنية متحملا عبيء المهام الأمنية وخطورة الأوضاع حينها، إلا أن مقارعة الإرهاب عند المياحي واجب وطني واجتماعي وديني، نابعا من احساسه بالمسؤولية تجاه وطنه ومجتمعه، وينطبق كل ذلك على مشروع المقاومة الذي له نصيب منه، رفضا لوجود أي قوات أجنبية غير شرعية على الأراضي العراقية، يذكرنا بوطنيته أثناء النظام الدكتاتوري، وعملياته بالضد من ذلك نظاما وشخوصا وأدوات.
دخل المراسل حيدر المياحي غمار الإعلام في عدد من القنوات الفضائية، وأثبت نجاحه الشخصي في ذلك بشهادة زملائه والمؤسسات التي عمل معها وأخيرا في الإعلام الحربي مع مديرية الإعلام التابعة لهيئة الحشد الشعبي، حيث سارع الشهيد، منذ دخول عصابات داعش الإرهابية؛ الى تغطية المعارك ومحاربة تلك العصابات، بكل ثبات وعزم رغم الخطورة البالغة وصعوبة الوضع العام والخاص، وأهم ما ميزه وساعده في مهمته، هو معلوماته العسكرية وخبراته السابقة في هذا المجال الى جانب خبرته الإعلامية، وهذا من أهم الأسس التي يرتكز عليها الإعلامي الحربي، وأهم ما يؤهله للنجاح في هذا الميدان كما ذكرنا في بداية الأمر، حيث كان لتواجده بصمة خاصة، وعمل مميز يجمع بين الإعلامي والمقاتل، يحمل البندقية الى جانب الكاميرة، لأن داعش لا تميز بين صحفي ومقاتل او مسعف ومدني، معروف عن مدى وحشيتها وفقدانها لشرف المعارك ومواثيق الحرورب، وعدم التزامها بأي من ما ذكر، استطاع المياحي ان يوثق اغلب عمليات القوات الأمنية، حتى لحظة استشهاده في ساحة المعركة حاملا كاميرته واللاقطة الصوتية.
الإنسانية رغم الحرب، فقساوتها وظروفها ومخاطرها لم تمنع ابتسامة المياحي ابدا، وكيس الحلوى (الجكليت) يرافقه أين ما يذهب رغم قلة المواد الغذائية، نعم لا نستغرب ابدا من وجود كيس الحلوى في جعبته أثناء المعركة! فقد اعتاد توزيعها على المدنيين اين ما يجدهم من أجل طمأنتهم، وتخفيف الضغوط عنهم، فهو صاحبة الكلمة المشهورة (لا تخافون انتم أهلنا) حيث كان يستقبل العوائل المدنية أثناء المعركة بهذه الكلمات، الى جانب الإبتسامة والحلوى، وأصبحت كلماته وافعاله محط انظار الجميع، فذكرتها المنابر الدينية والقنوات الإعلامية الموضوعية، طيبة حيدر وجمال قلبه وعفويته وفطرته الإنسانية جعلته مميزا جدا عند رفاقه، وجميع من عرفوه سواء في حياته، او بعد استشهاده.
بمثل هذه الأيام تحديدا في تاريخ 27 / 4 / 2017 أثناء تحرير مدينة الحضر في الموصل، وقبل ساعات من إعلانها محررة، يهز الأسماع انفجار احد المنازل ليصيب الشهيد حيدر المياحي بإصابة بالغة ويفقده جزءا من أشلائه، ليلتحق بركب الشهداء بعد نقله الى المستشفى، وتبقى افعاله منهاجا، واعماله الإعلامية خالدة في إرشيف النصر، كما تدوي صرخاته في ضمير الإنسانية (لا تخافون احنه أهلكم).
مسؤول المراسلين الحربيين في مديرية اعلام الحشد الشعبي، لم يتعامل بمسؤولية او منصب يوما، بل تعامل ببصيرة ورؤية وثبات وإنسانية، واستطاع ان يختزل كل إيجابيات المنظومة، بشخصيته المتعددة المهام المتعايشة مع الموقف، فبعد العمل الدؤوب والتواضع الرفيع وتلك الأخلاق الحسنة، رفعه الباري عز وجل لمقام أرفع وأسمى، ومن ثم خصص يوم ذكرى شهادته لشهداء الإعلام جميعا وسمي يوم شهيد الإعلام.
ــــــــــــــ
https://telegram.me/buratha