واثق الجابري ||
"طلّعتوا الناس من طورها"، قالها رئيس مجلس الوزراء محمد شياع السوداني، في كلمة مسؤولي أمانة بغداد والدوائر البلدية والمحافظة، في حديث عن مداخل العاصمة، التي صارت غير صالحة لسير العربات، وتشوه وجه العاصمة، وطرقًا بمسافات قصيرة تستغرق ساعات بسبب دمارها الشامل، وعائقاً أمام حركة المرور بين المحافظات وبغداد تحديداً.
اُنفقت مليارات على مداخل العاصمة في سنوات متتالية، وكمٌّ كبير من المشاريع الوهمية، لكن الواقع يختلف تماماً ولا يتناسب مع حجم الأموال، بل كل من يدخل بغداد لا يتصورها خربة فحسب، بل يعتقد أن بقية المدن أكثر خراباً وهو يرى العاصمة بهذا الشكل.
المدن كالمنازل يعرف الفرد فخامة بنائها، من خلال واجهاتها ومداخلها وخدماتها، ويدل البناء والتصميم على حجم الأموال التي اُنفقت عليها، والعاصمة لا تعني مدينة بذاتها، بل تمثل الدولة بكاملها، ويدخلها الزائر والمسافر والمريض، وكأن هنالك أياديَ خفيّةً تريد القول إن العراق ما يزال مخرباً، وإدارته السياسية عاجزة عن إدارة أبسط الواجبات، التي تتعلق بالخدمة وحق المواطنة، وما في بغداد يختلف تماماً عن محافظات وصلت الى مراحل متقدمة، يمكن لبغداد الاستفادة من تجاربها في الإعمار والاستثمار وإدارة الموارد البشرية والمادية.
ما تزال بغداد ليست بالمستوى الذي يجعلها نموذجًا لبقية المدن، وأكاد أجزم أن هناك تعمدًا في تراجع خدماتها، وما تزال الشواهد تدل على ما لا يتناسب مع كمِّ الأموال المصروفة، وما تزال بغداد دونَ إشارات مرورية، وما تزال العناوين تختلف عن المضامين، رغم وجود جدية في أماكن مختلفة، لكن التقاطعات الادارية بين الأمانة والمحافظة، حاضرة للتعطيل والتبرير من تلكُّئِ المشاريع، وتقاطعات سياسية منها من يريد النهوض بالعراق، وآخر يعطي إنطباعًا سيّئًا عن الإدارة السياسية للبلد.
يعبر (طور الناس) الذي تحدث به السوداني، عن طموح عراقي يتناسب مع ما موجود من إمكانات وموارد بشرية ومادية، طموح يتحدث عن واحدة من أقدم العواصم، ويأمل لشعب عيشَ الرفاهية، والناس تراقب وترى عملًا حكوميًّا جادًّا وسعيَ رئيسها الى تحديد الأولويات، ومعالجة الملفات التي ارتبط تعطيلها بالفساد وسوء الإدارة، والبيروقراطية والروتين واللامبالاة، ورئيس الحكومة والوزير ليس وحدُهما مسؤولين عن كل صغيرة وكبيرة، بقدر ما هو جهد يتصل ببعضه وخلية تتكامل بأعضائها.
إن التطور في العراق متوفّرة شروطه البشرية والمادية والحاجة الفعلية، لكنه مرهون بعمل جاد من قبل المسؤولين كلِّهم، يواكب عمل الحكومة وطموح الشعب، في بلد ليس فقيرًا، وتطورنا أن تترجم الأمنيات الى مشاريع تناسب الأطروحات، وحديث طويل لبعض المسؤولين عن إنجازات، ويبقى الناس في (طورها) متى ما رأت أن البلد في حال تطور مستمر، وإلاّ ستكون ناقمة ليس فقط على الحكومة، بل حتى على القوى السياسية الماسكة بالسلطة.
كلام السوداني تصريح علمي عن عدم رضًا حكوميٍّ، على طبيعة التعاطي مع الملفات وأهميتها وأولويتها، اذا كان التوجيه المباشر والتشديد ووضع سقف زمني، الى استنفارِ الجهود المتاحة وعملٍ ليلَ نهارَ كما هو واجب، و(طورنا) كبلد، يرى شعبه أنه صاحب أقدم الحضارات، وفيه كل الإمكانيات لصنع التطور والرفاهية لشعبه، ولابد لكل مسؤول أن يشعر انه صاحب سلطة عليا، ويعمل بما تمليه عليه المسؤولية والضمير، ولا يحتاج رقابةَ و توبيخَ مسؤولٍ اعلى.
الواح طينية، واثق الجابري، أقدم الحضارات،
ــــــــــــــــــــ
https://telegram.me/buratha