حافظ آل بشارة ||
جاء اختيار السيد السوداني لرئاسة الوزراء على اساس انه ليس من القوى السياسية التي كانت في الخارج ، وليس محسوبا على المحور الايراني ، ويمثل الى حد ما قوى الداخل التي ترفع شعار ان العراق اهلكه الذين جاءوا على ظهر الدبابة الامريكية ، اميركا لا تهتم بنجاح رئيس الوزراء او فشله بقدر ما تهتم بالحفاظ على الوضع الحالي لمصالحها ، ولكي تتأكد من ان السوداني يحترم خطوطها الحمراء يقال انها فرضت عليه شروطا منها عدم ازاحة اصدقاءها من مواقعهم ، وعدم القيام بتصفيات سياسية تطال بقايا النظام السابق او تصفيات في ملف الفساد تستهدف الحيتان من اصدقاء واشنطن ، وربما هناك شروط اخرى تحت الطاولة ان صح النقل.
بناء على الحقائق اعلاه ولكي يستكمل السوداني براءته من القوى السياسية التقليدية ، ومن اجل تجنب غضبها ايضا كان عليه ان يتصرف بمهنية عالية اي تطبيق القانون والدستور ، ومن يطبق القوانين لا يحق لاحد ان يلومه ويتهمه ، ومعروف من مسيرة العقدين السابقين ان المعيار الوحيد لنجاح الحكومة عند القوى السياسية هو مدى تلبيتها لمصالحهم وتوسيع فرص كسب المال والنفوذ واضعاف سلطة الدولة والقانون اكثر فاكثر ، اما اذا حاول السوداني اضعاف نفوذ الاحزاب واحياء سلطة الدولة وهيمنة القانون فانه سيتحول الى عدو ، فسلطة الدولة وسلطة الاحزاب نقيضان لا يجتمعان ولا يرتفعان ، بل يبدو من البديهيات العراقية الشائعة ان محاربة الفساد وحدها كافية لتقويض سلطات القوى السياسية المختلفة ، ولذلك فتعاون القوى السياسية مع السوداني تعاون مشروط بعدم المساس بمصالحها ، وهنا يبدو ان رئيس الوزراء الذي يريد ان ينجح يطير بجناحين الجناح الاول خبرته الشخصية ومواهبه الادارية والسياسية ونجاحه في تشكيل فريق تنفيذي من المتخصصين الاكفاء ووجود الفريق التنفيذي شرط في نجاح السلطة التنفيذية في النظام الديمقراطي ، اما الجناح الثاني فقدرته على تنفيذ خططه وتنفيذ القانون والدستور فهل ان هذين الجناحين متوفران للسوداني ؟
اما اذا اراد السوداني ان يدير الامور كلها بنفسه ويمتنع عن النوم فهذا اسلوب غريب في ادارة الدول لا يمكن ان ينجح ، ليس صحيحا الاقتداء بعبد الكريم قاسم في هذا السبيل ، فقد كان احد اكثر اخطاء قاسم فداحة هو عدم تشكيله فريقا حاكما يسانده وينفذ برنامجه ويحميه من الانقلابات ، كذلك هناك اختلاف في طبيعة المرحلة التأريخية فان زمن الزعامات الرمزية قد ولى ، ولا توجد في ظل النظام الديمقراطي زعامات رمزية ، فالديمقراطية تعني نظاما انتخابيا والنظام الانتخابي يعتمد رمزية الامة وليس رمزية الشخص ، فصناديق الاقتراع تهلك ملوكا وتستخلف آخرين بارادة الله تعالى ، فالحكام راحلون والامة باقية.
اما مدى استجابة الوزارات لبرنامج رئيس الوزراء فمتوقع طبعا ان لاتكون اكثر الوزارات متحمسة لبرنامج رئيس الوزراء ، لأن الوزارات في العراق تديرها الاحزاب وليس رئيس الوزراء وكل وزارة هي في حقيقتها مقر حزبي للحزب الذي ينتمي اليه الوزير ، اما تنفيذ البرنامج الحكومي فيجري على اساس النقاط المشتركة بين الطرفين ، فاي فقرة تلبي رغبة رئيس الوزراء وحزب الوزارة معا تنفذ واي فقرة تضر مصالح حزب الوزير لا تنفذ بل يتم تمييعها او تجميدها وهكذا ...
طبعا منذ البداية كان رئيس الوزراء مقيدا في اختيار وزراءه بسبب المحاصصة ، والمحاصصة في العراق تعني ان الوزارة تكون للحزب وليس للحكومة ، فيأخذ الحزب الجمل بما حمل .
السوداني رئيس وزراء ناجح وطموح وجدي ومهني لكنه لا يمكن ان يشكل فريقا تنفيذيا بسبب المحاصصة ، والتنفيذ يعني ظهور الآثار على الارض ، ولغاية الآن لا توجد آثار على الارض ذات قيمة نوعية ، وخمسة اشهر لا تكفي لتحقيق منجز ستراتيجي ، واعتقد ان العائق الاكبر الذي يواجه السوداني هو الفساد ، الذي يعني سرقة اموال الدولة وذهاب الموازنات الكبيرة الى جيوب الفاسدين الصغار والكبار والمحليين والدوليين وهو فساد محمي ومتجذر ومقنن ، والفساد في العراق ليس عمليات سرقة فردية بل هو عمل ممنهج ومعقد ويمتلك تجربة تمتد الى نصف قرن ، ولا يمكن القضاء عليه بسهولة لانه منظومة عريقة اقوى من الدولة وكل سلطاتها ، وحاليا في الدوائر الحكومية مازال المواطن عاجزا عن انجاز معاملاته الصغيرة الا بعد تقديم رشوة ، ومازالت الرشاوى والاتاوات وسرقة اموال المنافذ والضرائب والجباية قائمة.
اما دور السفيرة الامريكية في بلد محتل كالعراق فهو دور طبيعي مثل دور بيرسي كوكس او المسز بل ايام الاحتلال البريطاني وهي الحاكم الاعلى للبلاد ، وكل الاعتراضات على دورها هواء في شبك ، بل هي نفسها تشجع هذه الاعتراضات لكي يقال ان هناك حرية الانتقاد ضد اميركا وان العراقيين يحكمون بلدهم ويعترضون بكل حرية على صديقتهم واشنطن .
اما حالة الهدوء الشارعي في البلاد الآن فتعود الى ان اميركا تحتاج الى هذا الهدوء حاليا لتتيح للسوداني ان يحقق بعض النجاحات التي تفضح فشل الآخرين لعشرين سنة مع ان اغلبهم اصدقاؤها ، والهدوء يتحقق عندما توقف السفارة انفعالات الضد النوعي المحلي الذي ترعاه وتأمره بالصمت.
اهم المعايير التي يقاس بها نجاح السوداني :
1- قدرته على فرض سلطته على وزراءه وعدم السماح لاحزابهم بالهيمنة على الوزارات .
2- مكافحة الفساد جذريا واحالة كبار الفاسدين الى القضاء واسترجاع ما سرقوه.
3- فرض سلطة الدولة والقانون.
4- مكافحة تجارة وتعاطي المخدرات.
5- احياء القطاع الخاص ودعمه في القطاعين الانتاجي والخدمي.
6- حل ازمة الكهرباء وازمة السكن وازمة الصحة والتعليم بمنجز واضح على الارض.
7- اعادة اقليم كردستان الى العراق نفطيا وسياسيا وامنيا وتولي ادارة الملفات الاتحادية هناك.
هذه بعض المعايير التي تدل على نجاح السوداني وحكومته ، بل الاصح المعايير التي تدل على ان الشعب العراقي اصبح يمتلك دولة حقيقية وحكومة تستحق الثقة وزمنا سياسيا جديدا تتضائل فيه هيمنة الاحتلال ويجري انتزاع المكاسب والحقوق والكرامة من بين مخالبه.
ـــــــ
https://telegram.me/buratha