عمار محمد طيب العراقي ||
على أبواب الانتخابات النيابية والبلدية تتصاعد روح المصلحية الضيقة، من خلال ما نقرأه ونراه من "الطموح القاصر" و"الوعي الموبوء" لدى جمهرة كبيرة من المنخرطين بالحقل السياسي، من مختلف المكونات والفئات والجهات والطوائف.
الأخطر في مسار لعبة الفشل هذه، والتي بلا شك تؤدي بالنتيجة الحتمية إلى ضياع وشرذمة هذا الوطن، هو أن جموح الفئات المشار اليها، ذاهبة إلى التكاثر المرضي للعناوين والتكتلات والمبادرات المصلحية، باسم السياسة والاستحقاقات..
هذا المسار المحموم؛ جاء وليدا للتوجهات الفاسدة، التي أنتجتها الانتهازية السياسية وأطرها، يوم افسدوا الواقع الحزبي الديمقراطي السليم، وافسدوا الحركات السياسية ونظرياتها ومبادئها؛ بكل أنواعها الوطني والقومي، والأممي المادي والإسلاموي، كل النظريات والمنطلقات الفكرية السياسية، خربتها العقول الانتهازية، حين ركبتها لتحقيق مصالحها، سواء من كانت تعمل داخل العراق أو خارجه، إبان الفترة التي اعتلى البعث ظهور العراقيين.
خطر الانتهازية السياسية، والذي يأتي ضياع وتشتيت الجهود كأكبر نتائجها الوخيمة، ينسحب أيضا على كل المفاهيم المحصنة للوطن والأمة، والمنطلقات النظرية الدينية والاجتماعية والفكرية السليمة، لتعزيز الوطنية وتلاحم المجتمعات.
لقد خلقت الانتهازية السياسية وتبريراتها النفعية الجبانة؛ منذ عقود جوا من عدم الثقة بين الشعب والنخب السياسية، فأصبحنا نعيش جائحة كبرى تفتك بمجتمعنا ووطننا، دون أن ندرك الحرب الحقيقية التي أوقعتنا فيها نخبتنا السياسية الموبوءة بقلة الوعي.
وباء الوعي يتمثل بجعل المفاهيم السياسية، أرسخ من عقيدة الإيمان بقيم الدين القيم والوطن والأمة!
إفرز وباء الوعي منهجا براغماتيا أعتنقه من تشبعوا؛ بأفكار الأممية واليسار والقومية والوطنية الطوباوية، واوهام الإستقلال والسيادة والجنوح الشديد نحو الماديات، وسيادة عقلية التغالب، وهي افكار تفسر استسلامهم بكل سهولة، وربما بقناعة، لخدمة أي جهة؛ هؤلاء يصعب عليهم الالتزام بما هو حق، رغم انه بكل المقاييس والمعطيات الواقعية والدينية، يظل الحق أهم، ووحدة الشعب في وطنه، أكثر طريق سالك نحو الديمقراطية والتنمية والاستقرار.
من مظاهر وباء الوعي، أنه أطر الانتهازية السياسية، بقوة إعلام موجه، وتعاضد مع قوى الإستكبار العالمي؛ العاملة على إضعاف الشعوب واستعمار أوطانها، حيث يجعلون من الفساد عنوانا يحاربونه، مع أنهم مغرقين به حد الثمالة..!
هؤلاء يستغفلون الشعب ونخبه الحية، من خلال اختزال الفساد في ظواهر مادية عارضة أو أحداث، في حين أن الفساد بنيوي شامل هم رافعته المتقدمة، وهم الحلقة الأهم فيه، والأخطر هو ما يعملون على تكريسه من انتهازية أفسدت الدولة، ودمرت تماسك المجتمع..
إن تعاطي المجتمع وقواه الحية، مع إفرازات الانتهازية السياسية، والتكتلات المصلحية الانشطارية المتكاثرة، والإجهاز على هياكل الأحزاب السياسية العريقة، التي تحمل مشاريع دولة رغم اختلاف منابعها، هو الفشل الكبير، والذي لا يفسد الواقع اليوم فحسب، وإنما يمهد لإفساد المستقبل أيضا، ويمنح لأعداء الوطن والأمة بكل عناوينهم، الفرصة السانحة لتحقيق مبتغاهم!
إزاء ذلك من المهم جدا، الوعي بمفهوم الفساد السياسي، وهو الأكثر خطرا والأجدر بالمحاربة، من مفهوم الفساد المالي، لان الأخير، يمثل سرقة واضحة بالأرقام المالية، يمكن إرجاعها بالقضاء، فيما الأول إفساد عميق للمجتمع والدولة والأمة، ينسف كل قيم الدين والأصالة، ويقتل الفكر الحصيف، وينشر الخلافات الجذرية بين الأجيال، ويقضي بشكل فاجع على أسس الهوية والمواطنة.
لذلك يتعين الاحتكام إلى الأسس الصلبة، لقيم الوطن وقواه الأصيلة، وكبح جماح الانتهازية السياسية وكل إفرازاتها، فالوحدة الوطنية والهوية، وتعزيز التلاحم وتنوير الفكر والتمسك بالأصالة والدين، أولى وأجدر من التشرذم من أجل مصالح ضيقة لتكتلات الانتهازيين..
شكرا
31/3/2023
https://telegram.me/buratha