أمل هاني الياسري ||
قيل قديماً عن السعادة، هي أن تكون مع الفطرة تراها وتخاطبها، فكيف إذا كانت فطرة الله، التي فطرنا عليها بحبنا لآل محمد (عليهم السلام)، وهم الحبل المتصل بين الأرض والسماء، أما جسر الرصافة فله فطرة عجيبة، فمع حلول ذكرى إستشهاد الإمام موسى الكاظم، المعذب في قعر السجون وظلم المطامير، فإننا نراها وتخاطبنا، فتجعلنا نسترخص دماءنا فداءً للجسد المسجى، نعم إنها فطرة الجسر، يئن المأً ووجعاً مع أصوات الليل الشهيدة، التي غرقت بحب الكاظمين عليهما السلام.
مَنْ حضر ملحمة جسر الأئمة عام 2005، يلاحظ وجود أناس، يصلون صلاتهم الخاصة في الماء، وأخرون يودعون ثم يولدون، ثم يتدافعون ثم يقّبلون ماء دجلة ليتؤضوا، وليأخذ كل واحد منهم فطرته، كجواز سفر نحو بيت الطهر والقداسة، فيكتبون أسماءهم في سجل الموالين، والعجيب أنهم رغم رضوض الحديد، التي تركت آثارها على أجسادهم، إلا أنهم فرحين مستبشرين ببيعهم الذي بايعوه، وكأن جسر الأئمة منح لهؤلاء الشهداء، أسماء أكثر دقة ومجداً من مسمياتهم، وذلك هو الفضل العظيم.
مواكب عزاء لشهداء الجسر، الصامتون الخالدون إكتسبوا هيبتهم، من هيبة إمامهم المرضوض بحلق القيود، فنفض الجسر حديده، ليقص حكايته المؤلمة قائلاً: بعض العظام تبكيك ليس وجعاً، بل لانها تلمس شيئاً إستوطن روحك الحديدية، الثائرة بوجه الإرهاب والطغيان، لتسجل تقاطيع الموت أشلاءها المقدسة، في رحلة النهر والجسر، فحملا بقايا الأحباب، وعباءات النساء، ولعب الأطفال، وحقائب الشباب، فوجد الجسر نفسه في قلب الحدث، طوبى لك وأنت مَنْ طرحوا عليك، جنازة أسد بغداد موسى بن جفعر (عليه السلام).
جسر للأئمة يغازل القباب الذهبية، ونهر لقصة خالدة ليس لها تتمة، سوى أن تلتقي فطرتها الكاظمية بعثمان الأعظمية، لتوصل آذاناً يهتف للوحدة ونبذ الطائفية، نعم إنه الجسر، وجد نفسه ملزماً بالإجابة عن أسئلة النهر، الذي سلك إبداعاً ما بعده إبداع، لقد إلتهم صغاره حباً بهم، وشغفاً بفطرتهم، وعشقاً للقاء الخالق، في رحلة عطاء بلا حدود، وذكرى لن تمحى من الوجود، لكني في النهاية أحضرت طشت أحزاني، ليمتزج ماؤه بعطر الراحلين مع النهر في واقعة الجسر.
الزحف المليوني السنوي في الخامس والعشرين من شهر رجب الأصب، يعد تظاهرة حاشدة بوجه الطغيان العباسي، الذي أراد بحقده وغطرسته، هدم الإسلام الحقيقي، ومحو مكانة أهل البيت (عليهم السلام)، لكن هذه الجموع وبعناوينها المؤتلفة، شحذت حبها وعشقها لراهب آل محمد، الإمام موسى بن جعفر (عليه السلام)؛ لإحياء ذكرى استشهاده الأليم، وليجددوا احزانهم بثورة لا تنتهي، نعم إنه سيل بشري ثوري، نحو قباب الكاظمية المقدسة، حتى قيام الحجة المنتظر الطالب بذحول أبناء الأنبياء.
ــــــــــــــــــــ
https://telegram.me/buratha