محمد عبد الجبار الشبوط ||
يبدو ان الثابت الوحيد او الاهم في شبكة الاعلام العراقي هو عدم الاستقرار في رئاستها منذ عام ٢٠١٦ الى اليوم. فقد تولى المنصب منذ شهر حزيران من ذلك اليوم حتى الان خمسة اشخاص لم يكمل اي منهم المدة القانونية البالغة اربع سنوات. والسبب في ذلك عدم الالتزام بالقانون فيما يخص تعيين واعفاء رئيس الشبكة، والصراعات السياسية، والطموحات الشخصية.
ولفهم هذه الحالة غير الطبيعية يتعين علينا الالتفات الى الحقائق القانونية التالية:
الحقيقة الاولى: ان شبكة الاعلام هيئة مستقلة، كما ينص قانونها الرقم ٢٦ لسنة ٢٠١٥ المعدل والنافذ، حيث يقول: "تؤسس هيئة مستقلة بموجب المادة (108) من الدستور العراقي تسمى: (شبكة الاعلام العراقي) وتتمتع بالشخصية المعنوية ويمثلها رئيس شبكة الاعلام العراقي او من يخوله."
وهذه المادة تكفي كما هو المفروض لمنع تدخلات رئيس الوزراء في شؤون الشبكة التحريرية والادارية بما في ذلك تعيين او اعفاء رئيس الشبكة. ولضمان هذه الاستقلالية نص القانون على ان "مجلس الامناء هو المجلس المسؤول عن رسم السياسات العامة في الشبكة ومراقبة عملها والحفاظ على استقلاليتها بما يضمن تحقيق الاهداف المحددة بهذا القانون ويعبر عن مصالح الشعب ويعمل حاجزا يفصل ما بين الشبكة ومصادر الضغط الخارجية"، بما فيها رئيس الحكومة والنواب والاحزاب السياسية.
الحقيقة الثانية: مجلس الامناء هو المسؤول عن اختيار رئيس الشبكة واعفائه من منصبه بموجب قانون الشبكة الذي يقول ان من مهام مجلس الامناء "اختيار رئيس الشبكة حسب المواصفات التي ينص عليها هذا القانون، ووفقاً لآلية تعيين مهنية وشفافة يحددها مجلس الامناء في انظمة الشبكة." ويقول:"رئيس الشبكة هو الرئيس التنفيذي لها ويخضع في ادائه لرقابة مجلس الأمناء ويقوم باصدار التعليمات والقرارات الداخلية والاوامر في ما يتعلق بالأعمال المهنية والادارية والمالية للشبكة ويؤدي مهام رئيس تحريرها ويعين من قبل مجلس الامناء." وهذا يعني ان رئيس الوزراء لا يملك سلطة تعيين رئيس الشبكة، وان رئيس الشبكة المعين من قبل مجلس الامناء لا يحتاج الى مصادقة مجلس النواب على تعيينه. كما يملك مجلس الامناء الصلاحية الحصرية لاقالة رئيس الشبكة حيث يقول القانون:"يمكن لمجلس الأمناء إنهاء خدمة رئيس الشبكة قبل المدة المحددة"، في حالات ينص عليها القانون.
لم يفهم بعض رؤساء الوزراء هاتين الحقيقتين فاعطوا لانفسهم صلاحية التدخل في مسألة اختيار او اعفاء رئيس الشبكة. وهذا ما حصل مع رئيس الوزراء الحالي الذي كنت اتمنى ان لا يقع بمثل ما وقع فيه اسلافه، لكنه سقط في المطب، كما يتضح من كتاب مدير مكتبه الصادر يوم ٨ من الشهر الحالي ردا على قرار مجلس الامناء انهاء تكليف الرئيس الحالي للشبكة نبيل جاسم. وقد وقع الكتاب في الاخطاء القانونية التالية:
اولا، استخدم الكتاب مصطلح "المدير التنفيذي". وهذا المصطلح لا وجود له في قانون الشبكة.
ثانيا، خاطب الكتاب "المدير التنفيذي" مباشرة بجملة:"لذا وجه السيد رئيس مجلس الوزراء استمراركم بمهام عملكم وفق القانون"، في حين ان هذه الجملة وحدها تشكل انتهاكا سافرا للقانون وتدخلا مباشرا من رئيس الوزراء في ما لا يخوله القانون ذلك.
ثالثا، تجاوز الكتاب سلطة القضاء حين اعطى لنفسه سلطة البت بعدم قانونية قرار مجلس الامناء انهاء خدمة نبيل جاسم حيث قال انه "لا سند له من القانون ولا يُعمل به"، وكان الاجدر ان يترك رئيس الوزراء ذلك الى القضاء اذا لجأ المتضرر من القرار الى القضاء.
هذا علما ان اختيار نبيل جاسم لرئاسة الشبكة كان تكليفا وليس تعيينا، بمعنى انه غير مشمول بالمدة القانونية لرئاسة الشبكة.
كنت آمل ان يكون عهد السوداني فرصة لتعزيز سلطة وسيادة القانون خاصة فيما يتعلق بشؤون شبكة الاعلام لكنه خيب املي ولم اجده افضل من الذين سبقوه في هذا المجال بعد ان ارتكب نفس اخطائهم.
ــــــــــــــــ
https://telegram.me/buratha