الشيخ الدكتور خيرالدين الهادي ||
توافرت الأدلة على ريادة العتبات المقدَّسة وتميُّزها في عطائها في المجالات المختلفة ولاسيَّما العلمية والانسانية والثقافية؛ إذ كشفت الأيام والسنوات عن الرؤية التشغيلية والاستراتيجية للعتبات المقدَّسة بشكل عام وللعتبة الحُسينيَّة بشكلٍ خاص بوصفها قدَّمت مشاريع خرجت عن إطار النشاطات المحدودة إلى فضاء المنجزات الكبيرة التي تتحدَّث عن نفسها وتستحوذ على اهتمام المختصين الذين أدركوا حجمها وحقيقتها وإن تغافل عنها الإعلام, أو قصَّر في تقديمها وتعريفها.
واليوم حينما أعلنت إدارة العتبة الحسينيَّة المقدسة عن منجزها الكبير المتمثِّل بالصرح العلمي والهندسي تحت مسمى جامعة السبطين الدوليَّة للعلوم الطبيَّة يتأكَّدُ قدرة العتبة الحسينية على تحمَّل المسؤولية تجاه الوطن والمواطن وتلبية حاجات الفرد والمجتمع في أبهى صورة من الرقي والتميز على وفق ما تشهدها العالم المعاصر من التقنيات الحديثة التي قد لا نجد لها مثيلاً إلا في الدُول المتقدِّمة والمتطوِّرة التي أصبحت موضع طموح أبنائنا الطلبة فتغرَّبوا في طلبها وتحمَّلوا عبء السفر إليها وأنفقوا بذلك الأموال الكثيرة التي تسببت بخروج العملة الصعبة من العراق إلى الدول المختلفة بفضل جامعاتها المتميِّزة والراقية.
إنَّ توجُّه إدارة العتبة الحُسينيَّة المقدسة نحو المجالات العلمية والانسانية في تلبية حاجات الوطن يشايع رؤية المرجعية الدينية التي أكَّد دعمها ووقوفها مع العراق وشعبه في مختلف مجالاتها, فأسست كثيراً من المؤسسات الخيريَّة والانسانية لجميع العراقيين, ووقفت بوجه الغزاة والطامحين ولاسيَّما في مواقفه المسؤولة في مواجهة الفكر الارهابي الذي استحلَّ العرض والارض فكانت المرجعيَّة الدينية سدًّا منيعا عن طريق فتواها المباركة التي عالجت الفوضى الفكري, ورسَّخت ثقافة العطاء, فتوحَّد العراق مع أصدقائه فكانوا كالبنيان المرصوص في وجه الغزاة والطامعين وردوا كيدهم إلى نحورهم خائبين منكسرين.
إنَّ القيادة الحكيمة للمرجعية الدينية عبر وكلائها في قضاء حوائج المؤمنين بات همَّا حقيقيَّا تكفَّل بها إدارة العتبة الحُسينيَّة المقدَّسة متمثِّلة بسماحة المتولي الشرعي (دام عزه) الذي عمد إلى فتح الآفاق المتنوِّعة من العطاء المعرفي والرسالي سائراً على توجيهات المرجعية الدينية في الاهتمام بمختلف الجوانب التي تهُمُّ حياة الفرد العراقي ولاسيَّما الجوانب العلمية والانسانية, فتم استحداث الجامعات الحديثة كجامعة وارث الانبياء(عليه السلام) وجامعة الزهراء(عليها السلام) وجامعة السبطين(عليهما السلام), إلى جانب عددٍ من المشافي التي ساهمت في رفع الثقل على المؤسسات الحكومية وأظهرت قدرة العتبة الحُسينية المقدَّسة وحُسن إدارتها ورعايتها وعنايتها.
ومن المناسب أن ندرك أنَّ العطاء الذي تقدِّمها العتبة الحُسينيَّة المقدَّسة على الرغم من تميُّزه ورُقيِّه إلا أنَّه ليس من باب الاستثمار كما في المؤسسات الاخرى؛ فالعتبة تتكفَّل في مشاريعها برعاية تامَّة لكثيرٍ من عوائل الايتام والشُهداء وأصحاب الدخل المحدود, وهناك مدارس عديدة تابعة للعتبة المقدَّسة مجانية لشرائح مجتمعية مختلفة, زيادة على ذلك فانَّ الدراسة في الجامعات التابعة إلى العتبة الحُسينية المقدَّسة تكون في أبهى صورها من جهة مستلزمات الدراسة والكوادر الناضجة العلمية التي تشرف على الدراسة ومناهجها بما يتوافق مع مقررات التعليم العالي والبحث العلمي وبأجور مخفضة قياساً بباقي الجامعات الاهليَّة, ومن جهة أخرى فإنَّ العتبة المقدَّسة تتحمل التخفيض والاعفاء لكثير من الطلبة ولاسيَّما أصحاب الدخل المحدود وعوائل الشُهداء وأبناء الحشد الشعبي وغيرهم.
إنَّ الجهود النوعية التي تقدِّمها العتبة الحسينيَّة المقدَّسة في المجالات المختلفة تمثِّل رؤيتها التكامليَّة التي تعتقد بضرورة مساندة الشعب العراقي في الحصول على بعض استحقاقاته في الريادة والتميُّز؛ لذلك فالكشف عن الابداع في المنجزات كان محط استقبال كثيرٍ من السفراء والروَّاد وضيوف العراق الذين وفدوا إلى العراق وكانوا يتصوَّرون غير الذي شهدوه من منجزات حقيقيَّة؛ بل أظهر بعضهم استغرابه من عدم وصول هذه المنجزات الكبيرة إلى الاعلام, بوصفها النافذة التي يمكن أن تكشف عن القُدُرات العراقية في التصدِّي للواقع الخدمي والعلمي والانساني.
إنَّ اعتراف المؤسسة الدوليَّة بمنجزات العتبة الحُسينيَّة الكبيرة في مختلف المجالات يؤكِّد قُدرة إدارة العتبة على تحمُّل مسؤوليتها الشرعيَّة والادارية في مواجهة التحدِّيات المختلفة التي عصفت بالواقع العراقي الذي عانى الحرمان والنقص في مجالاته المختلفة؛ فانتقلت بالعراق إلى مصافِّ الدول الكبيرة على مستوى الخدمات الطُبِّية والمعرفية وبأجور رمزيَّة قياساً يتلك الأموال التي قد يُنفقها فيما لو توجَّه خارج العراق سواء للعلاج أم للتعلُّم؛ لذلك يستوجب على الاحرار مساندة العتبة في توجُهاتها
الخدمية لتقديم ما هو أفضل في المستقبل, وعلينا أن لا نتغافل عن الشكر لله تعالى وللمرجعيَّة الدينيّة وللعتبات المقدَّسة في محاولاتهم لرسم البهجة والسرور على شفاه أبنائنا, سائلين الله تعالى أن يمُنَّ على العاملين بالقبول والرضا إنَّه سميع الدعاء وهو وليُّ التوفيق والسداد.
ــــــــــــــ
https://telegram.me/buratha