د.علي الطويل ||
ان اغلب الحروب الحديثة التي تستخدم الفضاء المجازي والاعلام بصورة عامة، هي حرب على الوعي. فهي تستهدف وعي الشعوب وفكرها وثقافتها، فإذا ما اطلعنا على مفاهيم هذه الحروب واهدافها ووسائلها واساليبها نجدها تركز بالخصوص على التغلب على وعي الناس وتززيفه ، من أجل نشر وعي مختلف عن العقيدة القيم والتقاليد والاخلاق الاجتماعية للشعوب المستهدفة وترسيخه في مجتمعاتهم ، فكل انواع الحروب الحديثة بكل مسمياتها ، الحرب الناعمة، والحرب الهجينة، والغزو الثقافي، والحرب الإعلامية... الخ ، هدفها الاساسي إسقاط المجتمعات عبر استهداف وعي الشعوب، والجمهورية الإسلامية في هذا الوقت هي أكثر دول العالم قاطبة تعرضا لهذه الهجمة التي استخدمت فيها جميع " اسلحة" هذه الحرب ، وجميع اساليبها ووسائلها، والهدف الاساسي هو القضاء على الثورة الاسلامية بأسلوب جديد، يختلف عن الأساليب السابقة التي فشلت جميعها.
وما دفعني للكتابة عن هذا الموضوع ثلاثة مشاهد رائعة، تعد نماذج لهذا الوعي المتقدم لدى أبناء الشعب الإيراني لاحظتها أثناء زيارتنا الأخيرة للجمهورية الإسلامية ،وهذه النماذج تجعل الإنسان تدب فيه الطمأنينة والأمل بأن هذا الشعب لم ولن يهزم ابدا لانه متسلح، بل متدرع بوعي عالي لايمكن للعدو معه ان يهزمه او ينال منه.
النموذج الأول،
بعد اتمام صلاة المغرب والعشاء في حرم السيدة فاطمة المعصومة عليها السلام، مر من أمامي احد المشايخ مسرعا وسيماء الوقار على وجهه، وبيده لافته كرتونية كبيرة كتب عليها بخط اليد ( مدافعان حريم خانواده)، المدافعون عن حرم الأسرة، ويالها من عبارة فيها من المعاني توزن بالذهب، وكنت احسبها كما باقي الفعاليات الفردية التي طالما تراها عند الإيرانيين، ولكن ما ان أتممت صلاتي وخرجت لاجد ان هذا الأمر ليس فرديا وإنما عبارة عن تجمع لعدد كبير من النساء والرجال ممن يحملون هذه اللافتات التي تحمل مثل هذه العبارات، ويقفون في طريق الخارجين من الصلاة. النساء امام النساء، والرجال امام النساء في صفين رتبا بشكل لافت.
النموذج الثاني :
في مشهد بعد الانتهاء من صلاة الظهر والعصر وعند الخروج باتجاه باب الرضا، شاهدنا ذات المشهد ولكن بصورة مختلفة نسبيا، فكان عبارة عن مجموعة من النساء يفترشن الأرض وسط الصحن الكبير ، ويرددن، مرة هتافات، ومرة اناشيد، ومرة أخرى ادعية مأثورة، ويوزعن اللافتات على الأرض في طريق الزائرين، كانت تدعو إلى حفظ الأسرة، وحماية الآمرين بالمعروف، عدم صناعة الالبسة الفاضحة ومنع بيعها في الأسواق، تنفيذ قانون الحجاب بصورة صحيحة، إضافة إلى مطالبات عديدة أخرى من هذا القبيل.
النموذج الثالث :
في قم وطهران، إذا قام آلاف النساء بمظاهرات تطالب بتفعيل قانون الحجاب بصورة صحيحة ، وتدعو للحفاظ على العفة، وحماية الأسرة ، ومما لفت الانتباه ذلك الشعار التاريخي الذي رددته النسوة في مظاهراتهن، والذي ردده الشعب الإيراني في كل معاركه، ولكن تستبدل بعض عباراته بحسب نوع المعركة. وبما ان المعركة الحالية هي معركة الوعي، واحد أهدافها الحجاب فقد كان شعار النسوة (حسين حسين شعار ما، حجاب افتخار ما)، الحسين شعارنا، والحجاب فخرنا.
لقد حمل أبناء الشعب الإيراني سلاحهم ثلاث مرات للدفاع عن الحرمات، الأولى عندما شن صدام حربه العبثية الظالمة ضد الجمهورية الإسلامية، فكان شعار أبناء الولاية، الدفاع عن حرم الإسلام والولاية، وحملوا السلاح مرة أخرى للدفاع عن المقدسات في سوريا والعراق، بعد أن شن الجيش الامريكي الرديف (د ا ع ش) حربه ضد المراقد المقدسة، فسمي شهداء هذه الحروب، ( شهداء مدافعان حرم). واليوم حملوا سلاح الدفاع عن حرم الأسرة، والتصدي للحرب المركبة وجنود هذه المعركة سموهم (مدافعان حريم خانواده)، المدافعون عن حرم الأسرة، وايران الإسلام كما انتصرت في الحروب السابقة، ها هي اليوم تنتصر بالحرب الجديدة، بفضل تسلح شعبها بالوعي الذي من خلاله عرفوا عدوهم وخبروا اساليبه، ولن تنطلي عليهم خدعه واحابيله.