حافظ آل بشارة ||
العملية السياسية العراقية ظاهرة غنية بالتحولات ، ويمكن تقسيم تلك التحولات الى تحولات سياسية، وتحولات امنية، وتحولات اقتصادية، وتحولات اجتماعية، وتحولات سيادية، ويمكن ان يكون لكل نوع من هذه التحولات بحث اكاديمي مستقل، وفي التحول الاجتماعي يكون الشعب نفسه جزء من المشكلة ، والشعب فيه نخبة وفيه وجاهات وفيه طاقات الأمة التي تقع بين العلياء والدهماء ، وقد ظهرت في العملية السياسية ظاهرة اجتماعية لافتة وجديرة بالبحث يمكن تسميتها (الهجرة الطبقية) ، وقد يكون المصطلح غريبا ، لكنه حقيقي وليس مجازيا فالهجرة الطبقية هجرة حقيقية يمر بها المسؤول الحكومي في العراق المحتل فور بلوغه الكرسي ، ولها سيناريو وزمان ومكان ونتائج ، وفيها الهدف الموضوع سلفا وهدفها ليس صناعة مسؤول بل صناعة مخلوق برجوازي يرفد المنظومة الرأسمالية التي تحكم البلد بالنيابة عن الاحتلال، والقضية تأسست وجرت حسب الخطوات التالية :
1- بريمر وفريقه منذ 2003 افترضوا ان السياسي العراقي العربي المسلم لا يتعاون مع الاحتلال الا بثمن كبير لكي يتحمل التهم الموجهة اليه ، فكانت رواتب الساسة المتعاونين هائلة ، وعند الغرب شعار يقول (لكل شرف درجة انصهار) فالشرف الذي لا ينصهر في العشرة ملايين ينصهر في العشرين او الثلاثين وهكذا .
2- علماء الاجتماع يقولون ان اساس الطبقية الاقتصاد وليس العرق او العلم او المنصب، وبذلك تحولت الطبقة السياسية في العراق الى طبقة برجوازية بسبب المال ، وهي الطبقة التي تسبق تشكيل الطبقة الرأسمالية .
3- لكي يكون المسؤول البرجوازي منتميا الى طبقته فيجب ان يرتبط معها بتقاليد التراتب والتعاطف والتماثل الاخلاقي ، ولكي تحفظ الطبقة كيانها تكون لها تقاليد خاصة في الاستعلاء على الطبقتين الوسطى والفقيرة، والاستعلاء الطبقي يتطلب الابتعاد عن الطبقتين وعدم الاختلاط بها الا في مناسبات عابرة، ويكون البرجوازي هنا محاطا بالحاشية والحماية ويسلم بالاشارة ، وله طريقته في الزي والمشي والضحكة والكلام .
4- عندما يتم اختيار وزير او نائب او وكيل او مدير من الطبقة الوسطى او الفقيرة تبدأ هجرته الطبقية :
⁃ مكانيا يسكن في قصر محمي وتغلق الشوارع من حوله.
⁃ زمانيا يغادر تأريخه وصداقاته الماضية ويتحول الى صناعة زمنه الجديد.
⁃ اخلاقيا : يتحول اصدقاؤه القدامى الى مجتمع عبيد في مرتبة دنيا ، ويصبح واجبه التكبر عليهم ومحو ذكرياته معهم ، ويتحول الى زعيم يزار ولا يزور ، ويتمنى دائما ان يتصل به رفاقه ايام الفقر لكي يتجاهل مكالماتهم فيثبت لنفسه انه من الطبقة العليا ، او يخول حاشيته الرد عليهم .
⁃ اخلاقيا : البرجوازي بالتراتب الجديد هو ادنى مرتبة من الرأسماليين الكبار ويتصرف معهم كأسياد له يتملق ويتواضع ويجامل ويزحف ، ولأن اسياده مروا بوقائع الهجرة الطبقية، فهم لا يحترمونه وبقدر ما يتكبر على طبقته السابقة هم يتكبرون عليه.
⁃ فقدان السعادة : كل الطبقات غير سعيدة ، الفقير تعيس لانه لم يتحول الى الطبقة المتوسطة ، وابناء الطبقة المتوسطة تعساء لانهم لم يتحولوا الى البرجوازية ، والبرجوازي تعيس لانه لم يتحول الى رأسمالي كبير ، والرأسمالي تعيس لأن جنديا صغيرا من جنود الاحتلال يستطيع ان يجعله ذليلا يقوم بتقبيل الاحذية راضيا.
هذا هو الهرم الاجتماعي الذي يصنعه الاحتلال في البلد المحتل عندما يكون هناك خلل اجتماعي مسبق ، هرم مكون من حشد هائل من الاراذل او الرويبضة المهاجرين طبقيا ، والكرامة عندهم اوهام لانها تتبخر على ابواب السفارات ، والغريب في هذا التحول اختفاء الانتماء الطائفي للبرجوازيين والرأسماليين الحاكمين ، وظهور انتماء جديد هو الانتماء الطبقي ، فيكون البرجوازي السني اخا حميما للبرجوازي الشيعي والبرجوازي الكردي وهم الثلاثة اعداء لكل فقير شيعي او سني او كردي وهلم جرا.
اين مكان الشرفاء ؟ الشرفاء واصحاب القيم ورموز الرجولة واعلام الحكمة والجهاد ، موجودون في بحر الأمة وحاضرون في مواقع السلطة وفي طبقات هذا الهرم لكنهم عاكفون على خدمة العباد ولا يجدون سعادتهم الا عندما يعيشون بين الفقراء ، هؤلاء هم الكبريت الاحمر ، فطوبى لهم وحسن مآب ، انهم اوتاد الارض وسيدهم ربهم ومخدومهم الشعب وهم سعداء حقا لا عقدة لديهم لأنهم لا يهاجرون (الهجرة الطبقية).
ابو مهدي المهندس وقاسم سليماني كانا من هذا الصنف الذهبي لذلك هما سيدان سعيدان في الارض سيدان سعيدان في السماء .
ــــــــــــــــــــ
https://telegram.me/buratha