محمد عبد الجبار الشبوط ||
تعمدت ان اكتب عنوان هذا المقال باللغة الانكليزية لاهمية معرفة هذه المصطلح. ويمكن ترجمته باللغة العربية الى "الاوتوقراطية الانتخابية". واصل كلمة اوتوقراطي انها تعني حكم الفرد او عدد قليل من الافراد بطريق التعيين وليس الانتخاب. وحين الدمج بينها وبين كلمة انتخابي يكون المقصود هو انحصار الحكم بعدد قليل من الاشخاص الذين وصلوا الى الحكم عن طريق الانتخابات، وليس عن طريق الانقلاب العسكري مثلا. والانتخابات توحي للناظر الى الحكم بانه ديمقراطي لان الانتخابات تمثل الحد الادنى في تعريف الديمقراطية. لكن هؤلاء الاشخاص ليسوا ديمقراطيين، بمعنى انهم لا يؤمنون بالديمقراطية، ولا يميلون الى ممارسة الحكم بطريقة ديمقراطية. الطريقة الديمقراطية للحكم معروفة ومن معالمها: الانتخابات الحرة والنزيهة، التداول السلمي السلس للسلطة، حرية الاعلام، علوية الدستور والمؤسسات الدستورية، الفصل بين السلطات، حكم القانون، سيادة الشعب او الامة، المعارضة الفعالة، استقلال القضاء. والاشخاص الاوتوقراطيون لا يقبلون بذلك، ويفضلون ممارسة السلطة بطريقة فردية مطلقة، حيثما كان ذلك ممكنا. ينفرد الشخص الاوتوقراطي بالحكم سواء كان رئيس دولة او رئيس حزب او شيء اخر. يحافظ الاوتوقراطي على الشكل الانتخابي الصوري لحكمه، لابقاء الصبغة الديمقراطية، لكنه يحول دون كل التفاصيل الاخرى المتعلقة بالديمقراطية. ويملك الحكام والزعماء الاوتوقراطيون خبرة واسعة وجيدة في هذا المجال الى درجة تقنع المحكومين بهم.
ويكون ذلك ممكنا اذا كان المحكومون، اي عامة الشعب، راضين بذلك الحكم، او غير قادرين على معارضته والتصدي له. وعادة تكون الشعوب حديثة الخروج من الانظمة الدكتاتورية اكثر قبولا بالحكم الاوتوقراطي لانها لا تعرف ماهو افضل منه كالحكم الديمقراطي، وبالتالي لا تستطيع المقارنة الصحيحة بين سلبيات الحكم الاوتوقراطي وايجابيات الحكم الديمقراطي. وهناك ميل لدى بعض الشعوب الى اتباع الزعامة الفردية، يقوم الاوتوقراطيون باستغلاله الى اقصى درجة لتعزيز حكمهم الفردي.
يوجد اليوم في عالمنا عدد متزايد من انظمة الحكم الاوتوقراطية الانتخابية مثل بلغاريا، والهند، وكانت الولايات المتحدة مرشحة لان تسقط في براثن الحكم الاوتوقراطي الانتخابي في عهد الرئيس السابق ترامب. وهذا كله ضمن ظاهرة مسجلة في العالم وهي تراجع الديمقراطية لصالح الانظمة الاوتوقراطية والشمولية.
في العراق كان المؤمل ان يتحرك المجتمع والدولة صوب اقامة نظام ديمقراطي معاصر، بعد سقوط النظام الدكتاتوري، لكن التجربة بدأت بالانتكاس في وقت مبكر بدءاً بتشكيل مجلس الحكم وما تلاه حتى انتهى الحال الى اقامة نظام قريب من الاوتوقراطية الانتخابية، وذلك لاسباب شتى منها: عدم ايمان الطبقة السياسية الحاكمة بالديمقراطية، انخفاض مستوى الثقافة الديمقراطية لدى الناس، غياب الخبرة الديمقراطية، وغير ذلك من الاسباب.
لكن الطبقة السياسية لم تتمكن من اقامة حكم اوتوقراطي بزعامة فرد واحد لاسباب كثيرة، فلجأت الى اقامة اوتوقراطيات محلية حالت دون قيام حكم ديمقراطي حقيقي في المركز. وتمتاز هذه الاوتوقراطيات، اضافة الى صفتها المحلية، بوجود زعامات حزبية اغلبها غير منتخبة او منتخبة بطريقة شكلية. لكنها حافظت على الشكل الانتخابي للحكم في الدولة بعد افراغه من كل شروط ومتطلبات الانتخابات الديمقراطية الحقيقية. ولم تعد الانتخابات طريقة للتعبير عن الارادة الشعبية، ولا طريقة للتداول السلمي للسلطة، وانما هي طريقة لحساب حصص الاوتوقراطيات المحلية في السلطة. ومن هنا نشأت المحاصصة الكردية والشيعية والسنية، والمحاصصات الفرعية بين احزاب هذه المكونات الطائفية. وهذا ما ادى في النهاية الى تشكيل حكومات هشة وضعيفة، اضافة الى المضاعفات السلبية الاخرى التي انعكست على مستوى الاقتصاد وبقية مجالات المجتمع والدولة. ولا تحظى هذه الزعامات بدعم شعبي عابر للتخوم الطائفية والعرقية رغم قوتها المحلية. وبسبب ضحالة الوعي الديمقراطي برزت اصوات تطالب بزعيم قوي واحد بديل عن هذه الزعامات الاوتوقراطية المحلية. ولا يشكل هذا حلا للمشكلة السياسية وانما هو ترسيخ لها.
ـــــــــــ
https://telegram.me/buratha