الشيخ طالب رحمة الساعدي ||
- رحلة تدبّرية مع خطاب " ايها الذين امنوا ....." في مضان بعض التفاسير
من المعروف أنّ آيات سورة النساء تهدف إلى مكافحة الكثير من الأعمال الظالمة و الممارسات المجحفة التي كانت رائجة في العهد الجاهلي – بحق المرأة -، و في الآية التاسعة عشر منها ""يا أَيُّهَا الَّذينَ آمَنُوا لا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَرِثُوا النِّساءَ كَرْهاً وَ لا تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُوا بِبَعْضِ ما آتَيْتُمُوهُنَّ إِلاَّ أَنْ يَأْتينَ بِفاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ وَ عاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَ يَجْعَلَ اللَّهُ فيهِ خَيْراً كَثيراً""
بالذات تشير إلى بعض هذه العادات الجاهلية المقيتة و حذر اللّه سبحانه فيها المسلمين من التورط بها، و تلك هي:
1- لا تحبسوا النساء لترثوا أموالهنّ، فلقد كانت إحدى العادات الظالمة في الجاهلية أنّ الرجل كان يتزوج بالنساء الغنيات ذوات الشرف و المقام اللاتي لم يكن يحظين بالجمال، ثمّ كانوا يذرونهن هكذا فلا يطلقونهنّ، و لا يعاملونهنّ كالزوجات، بانتظار أن يمتن فيرثوا أموالهن، فقالت الآية الحاضرة: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَرِثُوا النِّساءَ كَرْهاً و بهذا استنكر الإسلام هذه العادة السيئة.
2- لا تضغطوا على أزواجكم ليهبنّ لكم مهورهنّ، فقد كان من عادات الجاهليين المقيتة أيضا أنّهم كانوا يضغطون على الزوجات بشتى الوسائل و الطرق ليتخلين عن مهورهنّ، و يقبلن بالطلاق، و كانت هذه العادة تتبع إذا كان المهر ثقيلا باهظا، فمنعت الآية الحاضرة من هذا العمل بقولها: وَ لا تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُوا بِبَعْضِ ما آتَيْتُمُوهُنَ أي من المهر.
و لكن ثمّة استثناء لهذا الحكم قد أشير إليه في قوله تعالى في نفس الآية:
إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ و الفاحشة هي أن ترتكب الزوجة الزنا و تخون بذلك زوجها، ففي هذه الحالة يجوز للرجل أن يضغط على زوجته لتتنازل عن مهرها، و تهبه له و يطلقها عند ذلك، و هذا هو في الحقيقة نوع من العقوبة، و أشبه ما يكون بالغرامة في قبال ما ترتكبه هذه الطائفة من النساء.
هذا و المقصود من الفاحشة المبينة في الآية هل هو خصوص الزنا، أو كل سلوك ناشز مع الزوج؟ فيه كلام بين المفسرين إلّا أنّه روي في حديث عن الإمام الباقر عليه السّلام التصريح بأنه كل معصية من الزوجة
(طبعا يستثنى من ذلك المعاصي الطفيفة لعدم دخولها في مفهوم الفاحشة التي تشير إلى أهمية المعصية و خطرها، و الذي يتأكد بكلمة «مبينة»).
3- عاشروهن بالمعاشرة الحسنة، و هذا هو الشيء الذي يوصي به سبحانه الأزواج في هذه الآية بقوله: وَ عاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ، أي عاشروهن بالعشرة الإنسانية التي تليق بالزوجة و المرأة، ثمّ عقب على ذلك بقوله: فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَ يَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْراً كَثِيراً.
فحتى إذا لم تكونوا على رضا كامل من الزوجات، و كرهتموهنّ لبعض الأسباب فلا تبادروا إلى الانفصال عنهن و الطلاق، بل عليكم بمداراتهنّ ما استطعتم، إذ يجوز أن تكونوا قد وقعتم في شأنهنّ في الخطأ و أن يكون اللّه قد جعل فيما كرهتموه خيرا كثيرا، و لهذا ينبغي أن لا تتركوا معاشرتهنّ بالمعروف و المعاشرة الحسنة ما لم يبلغ السيل الزبى، و لم تصل الأمور إلى الحدّ الذي لا يطاق، خاصّة و إن أكثر ما يقع بين الأزواج من سوء الظن لا يستند إلى مبرر صحيح، و أكثر ما يصدرونه من أحكام لا يقوم على أسس واقعية إلى درجة أنّهم قد يرون الأمر الحسن سيئا و الأمر السيء حسنا في حين ينكشف الأمر على حقيقة بعد مضي حين من الزمن، و شيء من المداراة.
ثمّ إنّه لا بدّ من التذكير بأن للخير الكثير في الآية الذي يبشر به الأزواج الذين يدارون زوجاتهن مفهوما واسعا، و من مصاديقه الواضحة الأولاد الصالحون و الأبناء الكرام.
ـــــــــــ
https://telegram.me/buratha