د.نعمه العبادي ||
بعد ان حاولنا تقديم مقاربة تحرت ظروف وتاريخ وخلفيات تحول الشذوذ الجنسي من حالات فردية لها صلة مباشرة بالجانب السايكلوجي الى ظاهرة ثم الى تكوين مجتمعي، قدم نفسه تحت مسمى (المجتمع الميمي)، وبعد التفاعل الطيب الذي تلقيناه سواء من خلال التفاعل المهم مع المقال او من خلال التواصل المباشر من قبل الكثير من الاحبة، ومع تكرر طلب تقديم رؤية منفردة للمعالجات والمقترحات، نعرض في هذا النص مقاربة اخرى، تحدد الادوار والمسؤوليات.
مما لا شك فيه، ان الشذوذ والانحراف الجنسي بمظهريه (اللواط والسحاق) وكذلك الممارسات الشاذة قديم قدم الوجود الانساني، وهو مقترن باللذة والجنس، اللذين هما اقدم الاصول التي احاطتهما الكثير من المشكلات في الوجود الانسانية، وقد تواترت المواقف الدينية والاخلاقية والمعرفية والقانونية على ذم الانحراف وادانته وتجريمه، وتنوعت مسالك المواجهة والعلاج ما بين اساليب الردع والتثقيف وبين اعادة البناء النفسي إلا ان كل هذا الكلام ينصب على الافراد بوصفهم موضوعا للانحراف وقضية له، ولم يرتقي الحديث عن الظاهرة والتحول الجديد الذي ادخلنا في تحدي وخطر جديد تعدى سلوك الافراد ومشكلتهم الى حالة تحاول فرض وجودها كتكوين اجتماعي وسياسي وثقافي، يضم افرادا وجماعات وتوجهات ليست كلها من المبتلين بهذه المشكلة، بل انخرط في هذا المشروع الشيطاني مدافعون ومنظرون ومستثمرون ومشرعون وجمهور ووسائل اعلام وسياسات وطيف واسع يتداخل بشكل معقد فيما بينه، فما علاقة مسيرة فخر المثليين، والمجتمع الميمي، والعلم المثلي، والتمثيل السياسي بذات المشكلة السايكلوجية للافراد، لذا نحو امام قضيتين في موضوع المواجهة، الاولى وهي الاخطر المتعلقة بهذا المسمى المبتدع (المجتمع الميمي) وتداعياته، والثانية تتصل بذات الانحراف والشذوذ كأشكالية اخلاقية ونفسية ودينية وقانونية.
لا بد من التأكيد على ان مواجهة اي خلل او خطر او تحدي او ظاهرة، ينبغي ان يوازي ويناسب حجم ونوع وتاريخ وحالة القضية المراد مواجهتها وإلا تكون الحلول قاصرة وناقصة، بل لن تغير من الواقع شيئا.
في مواجهة الظاهرة وما يسمى بالمجتمع الميمي نحن بحاجة الى مواجهة ينطلق كل منها الى جزء من المشكلة، وبتحليل المشكلة، نجد ورائها المولدات الآتية:
١- البيئة الفلسفية والمعرفية التي سمحت بنشوء هذا التكوين، حيث اشرنا الى الاصول التي طرحتها الحداثة والتي تم توظيفها في هذا المبتدع الجديد، ومنها تم اعادة تعريف الاسرة والزواج والجنس، كما، سمحت الهوية السيالة لتكون جنس شاذ خارج عن دائرة التكوين الطبيعي، ومن خلال نزع التقديس عن كل شيء، سوغ هذا التوجه تعديه السافر على كل مسلمات الاديان والفطرة.
٢- المشروعات السياسية التي كانت حاضنة لنمو مرتكزات الحداثة المشار إليها، وما تم استثماره سياسيا في موضوع المثلية.
٣- الانزياح القيمي والاجتماعي وتهديم وتقويض منظومات الضبط في اطار تخليق جديد لصور اجتماعية واخلاقية تتخادم مع المصالح التجارية والسياسية التي تقود ما يسمى بالعالم المعاصر، والتي نمطت المجتمع تدريجيا تجاه قبول الانحراف والتعاطي الطبيعي معه.
٤- اقتصاد الانحراف والشذوذ، وهو اقتصاد المثلية، إذ ليس من المبالغة إفراد هذا الاقتصاد تحت عنوان مستقل، فهناك فذلكة اقتصادية شيطانية تستثمر في هذا السوق بشكل لا يمكن تصوره، ولو وقفت البيانات الدقيقة على هذا السوق لأنصعق العالم من الرقم المهول الذي يمول هذه السوق، ولفهم الناس سر هذا الاصرار، ولك ان تنظر الى مثال واحد في هذا الشأن، وهو شبكة نتفلكس التي يستخدمها الملايين بإشتراك مدفوع.
٥- عموم التحولات التي ضربت المجتمع خلال القرن الماضي والحالي، والحروب والمشكلات السياسية والاخلاقية، واكتشاف الانترنت وما تبعه من معطيات، ونشوء مؤسسات وتكوينات سياسية وقانونية جديدة بخلفيات معظمها محل جدل، وتضخم الاستهلاك، والسطحية في مقاربة كل شؤون الحياة، وقضايا متشابكة كثيرة، يغذي بعضها الآخر.
ان هذه المسببات التي اختلفت درجة تأثيرها في تشكيل الظاهرة وبلورتها كتهديد لحاضر ومستقبل البشرية تحتاج الى مواجهة تتناسب معها كما وكيفا، ومن المؤكد، ان الكثير منها يحتاج الى جهود عالمية، ويمكن ان ندرج حزمة خطوات تمثل مشروعا اوليا للمواجهة وهي الآتي:
١- بناء وعي نوعي من خلال المناهج الدراسية ووسائل التثقيف والتعلم العامة حول ظاهرة المثلية، والظروف والاسباب التي تشكلت من خلالها في عرض علمي ومعرفي مناسب، وكشف الجهات والاطراف التي ساهمت في كل هذه التحولات السلبية الخطيرة التي مر بها العالم.
٢- بناء رأي عام واسع يحاصر كل ما يتصل بالظاهرة ويواجهها بالرفض والممانعة.
٣- حملات مدافعة منظمة ومركزة، تدافع عن حرمة الاسرة والمجتمع والنوع الانساني، وتقطع الطريق على كل محاولات للتنميط والتسويغ.
٤- الدفع بتشريعات واضحة وصريحة وشجاعة تواجه اي محاولات لنمو وتغلل وتواجد وتسويغ الشذوذ على اساس انه خيار اجتماعي حر.
٥- دعم حقول البحث والتأليف التي تعمل على مواجهة الظاهرة وتفككها وتقف على ما ورائياتها.
٦- مقاطعة اقتصاد الشذوذ بكل مظاهره واشكاله.
٧- مواجهة المنظومة اللغوية الخاصة بمجتمع الشذوذ والانحراف والمبثوثة في حقول حياتية مختلفة.
٨- منظومات ردع كفوءة قائمة على اساس ادراك المخاطر خاصة تجاه المستثمرين في ظاهرة المثلية والانحراف.
أما فيما يتعلق بالانحراف والشذوذ بوصف سلوكا فرديا، يتأتى من اسباب مختلفة، فيجب ان نتخذ بشأنه الآتي:
١- التنمية التربوية الصحيحة القائمة على الفهم الواعي للفوارق الجسدية لكلا الجنسين وعلاقتها بخصوصية الدور لكل منهما في اطار الرؤية الدينية النقية والمبادئ الاخلاقية الحقة.
٢- المتابعة الحريصة لسلوك الابناء من المراحل المبكرة، وتشخيص الميول غير الطبيعية ومعالجتها بشكل حكيم.
٣- اشاعة ودعم مظاهر العفة والشرف.
٤- استعمال منهج المصارحة والثقة المتبادلة في معالجة المشكلات التي تحدث في الاسرة.
٥- استحداث عيادات ومصحات التأهيل النفسي والصحي لمن يقعون فريسة الانحراف والشذوذ.
٦- عقوبات رادعة تتناسب مع حجم ومسؤولية وحالة المنحرف والشاذ.
ختاما: اتمنى ان يكون التفاعل والعمل مع هذا النص ومحتواه على قدر مسؤوليتنا الجماعية تجاه هذا الخطر.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
https://telegram.me/buratha