مرتضى مجيد الزبيدي ||
ما بين الضوضاء وصخب العالم، وما بين التقدم التقني والصناعي والتكنلوجي، تعود العراقيون مؤخرا، على المغلاة في مناسباتهم المفرحة والمحزنة، تارة يكون ذلك دون اي مبرر منطقي، كالاحتفال الفاضح بمناسبة رأس السنة الميلادية مثلا، من اللا معنيين بها، وتارة اخرى يكون بكامل تبريراته، مثل احتفالات عيد الجيش الباسل، وذكرى اعلان النصر المؤزر، او ذكرى انطلاق فتوى الجهاد الكفائي.
ونحن لسنا ننتقد فئة على حساب الاخرى، او نفضل مجموعة على اخواتها، فمن سلبت افراحه وضح النهار، أيام تلك الطائفية المقيتة، كيف لا يغالي بفرحه، إثر فوز منتخبه بكأس أمم أسيا عام 2007، فأحيانا تكون المغالاة ممدوحة غير مذمومة، مطلوبة بل قد تصل الى حد الوجوب.
بعد أيام قليلات من الهلع والخوف والقلق، حيث الوطن والمواطن على شفى حفرة من نار، إثر سقوط ثلث اراضينا بيد العصابات الارهابية، ونذكرها بكل أسف وآلم، لم يسلم من ذلك الشر اي فئة او مجموعة، ولا يخفى انهم استهدفوا الوجود البشري بكامل الوانه واطيافه، وبعد سنيات من الإيثار والعطاء والتضحيات، والقتال المرير، وبفضل فتوى عظيمة، ومرجع حكيم، وإرادة لا وجود لمثيلها، اعلن النصر، الممزوج بدماء الشهداء الأبرار، مصحوب بدموع الفرح والحزن معا.
وما هي إلا فترة وجيزة، ما بين الأزمات وتقديم الحلول، وما بين الشدائد ورجالها، واستمرار العمليات العسكرية لمنع عودة براثين داعش، لم يهن أولئك الرجال يوما، لا ولم يستراحوا ابدا، وكأن الجهاد وعبيء المصاعب والاخطار كتب عليهم، نعم لأنهم ليسوا كباقي الرجال..
في ظلمة ليلة باردة، وبسرية تامة، وسرعة عاجلة، استهدفت الطائرات المسيرة لقوات الاحتلال الاميركي قادة أكبر نصر في التاريخ المعاصر، بمحيط مطار بغداد الدولي، كاشفة عن زيف ادعائها محاربة الارهاب من جانب، وكاشفة عن زيف شعاراتها الانسانية من جانب آخر، وماذا بعد ذلك؟
سويعات من الهدوء، حتى خرج ملاين العراقيين بتشييع قل نظيره، وتبعهم الكثير من دول العالم في مسيرات شعبية منها ورسمية مغاليين مؤبنين أولئك القادة الاحرار، الذين انقذوا البشرية من اعتى وحوش الارهاب، وانتشلوها من العتمة الى النور.. أيام واسابيع والمغالاة مستمرة، تعبيرا عن رد الجميل، حتى هدأت فورة الناس وعاد الهدوء مجددا.
وما ان جاءت الذكرى السنوية الاولى لاستشهادهم، حتى بدأت المغالاة من جديد، تخليدا لذكر قائدين شهد لهما عدوهما قبل الصديق، وأبنهما العالم اجمع بعلمائه وقادته، وبسطائه ومفكريه، وتستمر المغالاة لأكثر من شهر في كل سنة.
وكيف لا يغالي باستذكارهما؟ من عرف جزءا من اعمالهما وعطائهما، وقد نذرا عمرهما واروحهما فداء لنصرة الشعوب المظلومة، حتى استشهدا من أجل ذلك، والجود بالنفس اقصى غاية الجود، فلم لا يغالي؟ من يستذكر رجل بعمر جده ضحى ليعيش هو بأمان، بل من المعيب ان لا تغالي الجماهير بهكذا قائدين، ومعيب على الاحرار ايضا، ان ينسوا من قادهم وأرشدهم الى طريق الحرية والإيثار، حقا تلك هي المغالاة الممدوحة التي تشعرنا بالنقص ان لم نغالي.
ام كيف يعيش المواطن في بلده، متناسيا قائدا شجاع من ذات البلد، أذهل العالم بتخطيطه؟
وغيره من بلد أخر يؤبن ويستذكر ويغالي؟! فإما تلك المغالاة الحرة وإلا فلا.
ـــــــــــ
https://telegram.me/buratha