الشيخ الدكتور خيرالدين الهادي ||
قال تعالى: (قالُوا لَئِنْ أَكَلَهُ الذِّئْبُ وَنَحْنُ عُصْبَةٌ إِنَّا إِذاً لَخاسِرُونَ(.
مما لا يخفى أنَّ الذئب حيوانٌ يشترك مع البشر في الحيوانية ويختلف عنه في الناطقية؛ إذ كرَّم الله سبحانه وتعالى الانسان بالنطق دون غيره من المخلوقات التي خلقها, والذئب يتَّصف بكثير من الصفات الايجابية التي قد يفتقر إليها بعض البشر؛ فقد ورد بحسب المختصين أنَّ الذئب يميل كثيراً إلى رعاية صلة الرحم, فالأبوان مثلا ليس عليهما البحث عن الطعام إذا بلغ الصغار؛ بل يتحمل الأبناء إطعام الوالدين ويصبرون عليهما, والذئب يوصف بوفائه لزوجه فالخيانة ممنوعة في مجتمع الذئاب بين الزوجين, ومن جهة أخرى يتحمل الرائد في المسيرة عناء الوصول وشقَّ الطريق, وهذه الصفات المحترمة أصبحت مفقودة في كثير من المجتمعات التي نعبِّر عنها بأنّها بشريَّة.
ومع كل هذه الصفات الإيجابية للذئب إلا إنَّه يتَّصف بكثير من الصفات السلبية ولاسيَّما فيما يتعلق بالافتراس الخبيث الذي يكون خارج دائرة حاجته, والذي يهُمُّنا أنّ بعض البشر شايع الذئب في صفاته السلبية, فأصبح متقمِّصاً دور الذئب في المجتمع؛ إذ يفترس دون حاجة ويُكثر الأذى في المجتمع حتى ظنَّ البعض أنَّ المجتمع بات للمفترسين الذين يتربصون بالفقراء والعُزَّلِ ويحسبون كل فرصة صيداً بقطع النظر عن المتعلقات الأخرى وبعيداً عن الأبعاد الانسانية التي ينبغي لها أن تسود في كل مكان وزمان.
إنَّ القرآن الكريم أكَّد في خطابه على مظلوميَّة الذئب؛ إذ اتهمه البشر وهو من القتل براء, فلم يكن للذئب نصيب في دمِ يوسف الصديق(عليه السلام)؛ بل كانت الذئاب البشرية هي التي فتكت به, واليوم أصبح الفتك فنَّاً عند البعض في مختلف المؤسسات ومنها الجامعات؛ إذ يتحدثُ بعض المراقبون أنَّ كثيراً من البنات أصبحنَ عرضة للذئاب البشرية في هذا الوسط المخيف, وهذا ينبئُ بكثيرٍ من المشكلات التي قد لا تسترها المعالجات المرحلية؛ لذلك ينبغي أنْ نفعِّل الدور الرقابي في الجامعات ومحاسبة المفترسين الذين يترقبون الفرصة للتنكيل بالطالبات اللواتي يتعرضنَ لمختلف وسائل الابتزاز حتى من بعض الكوادر التدريسية التي رضيت بأنْ تكون سلعة للسفاهة المجتمعية ووسيلة من وسائل الشيطان.
والأمر لا يتوقف عند حدود الجامعات؛ بل هناك كثيرٌ من المؤسسات التي افتضح أمرها, وشاع فُحشها, ففي الأسواق مثلًا تجد أنَّ الذي يتمسك الضوابط والأحكام الشرعيَّة يعاقب كما عوقب يوسف الصدِّيق(عليه السلام) وكأنَّ المجتمع بات ميداناً للفاسدين الذين طغواْ في البلاد وأكثروا فيها الفساد فأصبح ذات الدين عُرضة للاستهداف؛ لأنَّه قد يشكِّل خطراً على الذئاب الذين اختلط الحرام بدمائهم فلا يبصرون غير الباطل الذي لازمهم فتصوَّروا أنَّهم على الحق لسفاهتهم, أو أصرُّوا على باطلهم مع سبق علمهم لتفاهتهم وعدم وعيهم بخطورة أمرهم, وقد يلازمهم التسويف المخيف كالذي لازم أبناء يعقوب (عليه السلام) فيفوتهم التوبة ولا يتوفقون لبراءة الذمة فتكون خاتمة أمرهم عسراً, والذئب منهم براء.
ـــــــــــــــــ
https://telegram.me/buratha