محمد عبد الجبار الشبوط ||
من الصعب وصف النظام السياسي الحالي القائم في العراق بانه نظام ديمقراطي حسب المعايير الدولية، او على الاقل حسب معايير Economist Democracy Index لعام ٢٠٢١. فقد اعتبر هذا المؤشر النظام السياسي العراقي بانه نظام "سلطوي" authoritarian على اساس الدرجات التي حازها في العملية الانتخابية (5.25) و الحكومة (صفر) و المشاركة السياسية (6.11() و الثقافة السياسية (5) و اخيرا الحريات المدنية (3.53)، وبذا يكون معدل الدرجة النهائية التي حصل عليها العراق هو (3.51) من ١٠ الامر الذي يضع العراق في المرتبة 116 مكرر في السلم العالمي. وفي المرتبة ١٧٢ في مؤشر الحرية الصحفية لعام ٢٠٢٢ الذي تصدره منظمة "مراسلون بلا حدود"، ويعتبر مؤشر الحرية العالمي العراق بلدا "غير حر". قد لا تعجب هذه الارقام بعض القراء، لانهم قد يعتبرون اجراء الانتخابات العامة الدورية وحرية الصحافة كافيتين لاعتبار النظام السياسي ديمقراطيا. ولكني لست بصدد مناقشة هذا الرأي الان، لانني بصدد موضوع اخر.
الموضوع الاخر هو ان الديمقراطية طائر بجناحين: الحكومة والمعارضة، والحال ان النظام الحالي قائم على المحاصصة او مشاركة الجميع على اساس ما يسمى الاستحقاق الانتخابي. ولهذا السبب لم تشهد مجالس النواب السابقة كتلة برلمانية معارضة. ومما زاد الطين بله في البرلمان الحالي انسحاب الكتلة الصدرية، التي كان من الممكن ان تكون معارضة فعالة، من البرلمان. وبذا اصبحت المعادلة السياسية كما يلي: الحكومة في البرلمان والمعارضة في الشارع. وهذا خلل في النظام الديمقراطي، بل في النظام السياسي برمته. في الديمقراطية السليمة يجب ان توجد المعارضة في البرلمان، لكي تقوم بوظيفتها: مراقبة الحكومة ومحاسبتها تحت قبة البرلمان وفق الاليات الدستورية الديمقراطية، وليس في الشارع عن طريق التظاهرات كما هو الحال الان.
التيار الصدري، والنسبة هنا شخصية، قوة سياسية كبيرة ذات حضور شعبي ضخم، ويمثل شريحة مهمة ليس من الصحيح بقاؤه خارج الحياة السياسية البرلمانية. وقرار الانسحاب لم يكن صحيحا ولا دستوريا، لان الناخبين انتخبوا النواب ليمارسوا دورهم في تمثيلهم داخل البرلمان. وليس من شأنهم (حتى لا اقول ليس من حقهم) الانسحاب من البرلمان وحرمان الذين انتخبوهم ممن يمثلهم في البرلمان. ولست افهم كيف وافق النواب على الاستقالة، وكيف تقبل ناخبوهم ذلك. وهذا يمثل خللا اخر في الحياة السياسية وفي الثقافة الديمقراطية في العراق. وليس امامنا لمعالجة هذا الخلل سوى ثلاثة خيارات احلاها مر، وهي: التراجع عن الاستقالة، او اعادة اجراء الانتخابات تحت عنوان (الانتخابات المبكرة)، او انتظار الدورة الانتخابية القادمة. الخيار الاول غير ممكن، والثاني غير معقول، فلا يبقى سوى الخيار الاخير. وهو مر كالعلقم بالنسبة للبرلمان الحالي وبالنسبة للتيار الصدري خارجه، في نفس الوقت.
قد تعرضنا هذه الحالة الى خيار اخر شديد الضرر وهو لجوء التيار الصدري الى ممارسات اخرى لاثبات وجوده التعبير عن وجهات نظره. ومن هذه الممارسات التظاهرات العنيفة كالتي شهدنا مثلها عند اقتحام مبنى البرلمان، وهذا النوع لا يمكن اعتباره تظاهرات سلمية المغطاة دستوريا. ذلك ان احتلال المقرات والمباني الرسمية لم يكن في يوم من الايام و في اي بلد ديمقراطي من الممارسات المعتبرة تظاهرات سلمية ودستورية.
ماذا تبقى اذن؟
امران:
الاول، ان يواصل التيار الصدري حضوره ودوره في المراقبة والمحاسبة عن طريق الاعلام والنشاطات الجماهيرية والاكاديمية الاخرى.
الثاني: ان يجري اركان الحكم مشاورات غير رسمية بصورة مستمرة مع قيادة التيار الصدري كلما تتطلب الامر ذلك وبخصوص القضايا الهامة التي قد تواجه البلد.
… ذلك كله في انتظار الموعد الطبيعي لاجراء الانتخابات البرلمانية المقبلة.
ـــــــــــ
https://telegram.me/buratha