محمد عبد الجبار الجبار الشبوط ||
المعيار الخامس والاخير في تقييم الحكومة هو حجم الانجاز، والذي تستمد منه الحكومة ما يسميه ديفيد ايستون "شرعية الانجاز" وهذه تختلف عن شرعيات ماكس فيبر الثلاث )التقاليد، الكاريزما، العقلانية)، كما تختلف عن شرعية التمثيل القائمة على اساس الانتخاب. تحصل الحكومة على شرعية الانجاز من خلال ادائها الناجح في تحقيق السعادة للناس في مختلف المجالات التي تتعلق بها تطلعاتهم الامر الذي يُكسبها مقبولية ورضا الناس عنها.
تلزم الحكومة نفسها بمنهاج وزاري وبرنامج عملي تعتقد انه سوف يحوز على رضا الناس، وبالاخص عامة الناس الذين تنتمي اليهم فئة الفقراء والمحرومين وذوي الدخل المحدود. وهو الامر الذي اوصى به الامام علي في كتابه الى مالك الاشتر بقوله: "وليكن احب الامور اليك اوسطها فى الحق، و اعمها فى العدل، و اجمعها لرضى الرعيه، فان سخط العامه يجحف برضى الخاصه، و ان سخط الخاصه يغتفر مع رضى العامه."
يعتمد رضا العامة، اي عامة الناس، على ما يستطيع ان تقدمه الحكومة من انجازات مادية ملموسة خلال مدة ليست بالطويلة. ليس بالضرورة ان تكون كل مطاليب الناس معقولة وممكنة ومن ضمن صلاحيات الحكومة، لكن هذا لا يخلي ساحة الحكومة من ضرورة ان تحقق الانجاز المطلوب بالدرجة التي يُكسبها المقبولية ورضا الناس.
معيار الانجاز في التقييم يحتاج الى وقت قبل تفعيله. لا يمكن تقييم الحكومة على اساس هذا المعيار منذ اليوم الاول. ربما نحتاج الى ١٠٠ يوم او ربما سنة او غير ذلك. وفي كل الحالات لا يمكن اغفال عامل الزمن. وفي القراءة الاولى يبدو ان المنهاج الوزاري اغفل عامل الزمن في الكثير من صفحاته. وكان بالامكان تقسيم منظومة اهداف الحكومة الى ثلاثة انواع زمنيا: النوع العاجل، والنوع المتوسط، والنوع بعيد المدى. وتطبيق معيار الانجاز على اساس هذا التقسيم الزمني، ومن ثم مراقبة تطور شرعية الانجاز وفق هذه المراحل الثلاث.
وفي كل الحالات فان الانجاز يتوقف على عوامل كثيرة يجب اخذها بنظر الاعتبار، مثل العامل المالي وتوفر الامكانات المادية الاخرى، والعامل القانوني والتشريعي والاداري، والعامل السياسي، والعوامل الخارجية، وقوى التأثير المحلية الحزبية والاجتماعية والدينية وغيرها. ولا يمكن اغفال التأثير الكبير للفساد المالي والاداري على قدرة الحكومة على الانجاز. وقبل ذلك وبعده، فان الانجاز يتوقف على سلامة المركب الحضاري للدولة والمجتمع ومنظومة القيم العليا الحافة بعناصره الخمسة وهي: الانسان والارض والزمن والعلم والعمل. ونحن نعلم ان هذا المركب الحضاري يعاني من اختلالات حادة في جوانب كثيرة تعيق الاداء الجيد للمجتمع برمته بما في ذلك مؤسساته التنفيذية والتشريعية. ولا يمكن معالجة هذه الاختلالات دون ان يملك اصحاب القرار في التشريع والتنفيذ والادارة روية حضارية حديثة للدولة والمجتمع والافراد. وهذا امر لم تثبت السنوات الماضية ان الطبقة السياسية التي تولت الامور بعد سقوط النظام الدكتاتوري تملكه بدرجة من الوضوح تمكنها من تشكيل حكومات حسنة الاداء بالدرجة الكافية للحصول على درجة النجاح في مادة "شرعية الانجاز".
حكومة السوداني بنت هذه الطبقة، كما كانت حكومة الكاظمي من اسوأ افرازات هذه الطبقة بطبعة اخرى. ويتوقف نجاح السوداني على قدرته في تجاوز ذاته وطبقته السياسية و قدرته على ممارسة الحكم والادارة بنموذج حضاري حديث يتخلص بالصورة الممكنة من عيوب التأسيس والتحيزات الفئوية المتنوعة وقياس اعماله بنموذج الدولة الحضارية الحديثة وليس بنموذج الادارات السيئة التي سبقته. استطيع ان اتمنى في هذه المرحلة، ولكني لا استطيع ان احكم اكثر من هذا، لكني سوف اتابع عن كثب تصرفات هذه الحكومة وسوف اعلن عن ارائي بشأن تصرفاتها تباعا.
تم
ـــــــــــ
https://telegram.me/buratha