الشيخ الدكتور باسم العابدي ||
يذهب كثير من المحللين وانصاف المحللين وحتى غير المحللين الى ان الكابينة الوزارية للسيد محمد شياع السوداني نسخة اخرى من حكومات المحاصصة السياسية المعمول بها في العراق منذ ٢٠٠٣ فالتشكيلة الوزارية التي اتى بها السيد محمد شياع السوداني ولدت من بطن الاحزاب التي شاركت على مدى ٢٠ سنة في تحطيم امال كثير من العراقيين وتبديد احلام الشباب وحتى الشياب والكهول في كل شيء وابسطها مثالا ان تمنحهم الدولة بسهولة واحترام مثل غيرها من دول العالم قطعة ارض مساحتها ١٠٠ متر من ارض العراق المتصحرة ؛ وتمنحهم قرضا من البنك دون اعطاء رشوة للموظف او الموظفة ؛ ودون استيفاء فائدة للبنك مقدارها ٥٠ بالمئة بالاضافة الى ارهاق معاملة القرض التي تستهلك زمنا طويلا من عمره.
يظن اكثر العراقيين الذي اصبح التشاؤم سمة غالبة عليهم و فقدوا الثقة بجميع دعوات التغيير والاصلاح التي اطلقتها الحكومات والشخصيات السياسية ان هذه الحكومة ستقتفي خطوات اخواتها السابقات التي سرق وزراؤها ومدراؤها وخفراؤها مليارات الدولارات واشتروا بها فنادق وبارات واسواق ومولات في عمان وبيروت وجنيف ونيويورك وباريس.
شيء واحد فقدته هذه التشكيلة الحزبية الجديدة وهو انها خلت من احد الاحزاب الذي حاصصها طيلة عشرين سنة في كل شيء.
ربما يقال انها رؤية متشائمة ونظرة بعيدة عن التفاؤل ؛ هي كذلك لانهاحصاد انعدام الثقة الذي غرسته الطبقة السياسية واحزابها في العقل والروح العراقية ؛ وسبب التشاؤم لايتعلق بهذا الوزير او ذاك المدير اي انه لايرتبط بالاشخاص وقدرتهم على النجاح او عدم قدرتهم وانما ياتي من كون العملية نسخة اخرى من العمليات السابقة في فرض الكتل رجالها ونسائها على الكابينة الوزارية مع ابقاء قرار هؤلاء الوزراء والمدراء وحراكهم بيد مولاهم وولي نعمتهم رئيس الكتلة الذي رشحهم وليس بيد رئيس الوزراء وهذه هي جهة الفساد الكبرى في المحاصصة وهي نفسها من يبدد التفاؤل في نفوس الناس.
اعلم ان المعرقلات والمعوقات امام السيد محمد السوداني هائلة وعميقة وخفية لانه خرج من عباءة المنظومة السياسية الفاسدة نفسها حتى وان كان نزيها بنفسه ولهذا يعسر تحرره من حاجز استحقاقات ( الطائف) وقفص حقوق الاحزاب والكتل وسطوة الفيتو الامريكي فوق ذلك.
الامل الوحيد في التغيير على عسره وصعوبته هو اتخاذ محمد شياع السوداني وكابينته الوزارية اول الامر طريقا وسطا بين الاستقلال وبين مداراة الجهات السياسية الدولية والمحلية و من ذلك التخفيف من حدة الخضوع لامريكا والهزيمة النفسية امامها والتحلي بقدر من عدم التبعية في المواقف السياسية والاقتصادية وتفكيك شبكات اللجان الاقتصادية للاحزاب ومنعها من الولوغ في المال العام كما حدث في الحكومات السابقة حتى بلغت اوجها في حكومة الكاظمي سيئة الصيت.
وهذا يتطلب امور:
١. ايمان وشجاعة يتحلى بهما السيد محمد السوداني وفريقه للاقدام على اجراءات مؤثرة في التغيير واحداث عملية اصلاح حقيقية يعيد بها الثقة المهدورة ويتصدى لمعالجة ملفات سيادية كالنفط والكهرباء والكمارك وميناء الفاو وطريق الحرير وتفعيل قانون ( من اين لك هذا)؛ فاذا ماخطا هذه الخطوات فانه سيكون مسددا من الله ومؤيدا من الشعب؛ و لم الخوف يااخي السوداني مادامت عندنا الشهادة؟!
٢. دعم الشعب له فيما لو اخلص وبدرت منه معالم الاصلاح الحقيقية؛ وعدم السماح للقوى الدولية والمحلية باتخاذ بعض العراقيين مطية للدفاع عن مصالحها لان السوداني لو اراد التحرر من السلسلة الامريكية والاعتماد على موارد بديلة في الاقتصاد والخدمات فلانستبعد في ان نرى في اليوم التالي اطارات جديدة الصنع تحترق في شوارع البصرة والناصرية وكربلاء والنجف ؛ ولانستغرب اذا تصاعدت كتل النار والدخان فوق جسور الجمهورية والتنومة ؛ ولا نندهش لو راينا بعض الشبان والشابات يعصبون رؤوسهم بقطع قماش ملونة مكتوب عليها : ( نريد وطن) ؛ ولا نتعجب حين نسمع مكبرات المطعم التركي تصدح من جديد وحتى الصباح باغاني قادسية صدام ومنها الاغنية الشهيرة: منصورة يابغداد .
٣. يجب ان يترفع الاطار التنسيقي عن روح الشماتة و المبارزة والصراع مع التيار الصدري ويحجم عن استعمال السوداني واجهة لهذا الصراع لان هذا من شانه ان يشغل رئيس الوزراء عن اداء مهامه الاساسية ويبقي الحكومة والشعب والتيار والاطار في دوامة ثنائية الصراع التي تحرق الاخضر واليابس ولاتبقي لهذا البلد باقية.
٤. الجهات التي اتت بالسيد السوداني لرئاسة الوزراء يجب ان لاتتخذ من ذلك منة وسوطا لاذلاله وتسييره كيفما تشاء واينما تريد فلا يكون تعاملها معه على طريقة ( احنة جبناك).
٥. ضرورة احترام التيار الصدري خياره في الذهاب الى المعارضة وعدم وضع العصا في عربة حكومة رئيس الوزراء والتوقف عن التغريدات المثيرة للجدل والمؤججة للخصومة بين ابناء الشعب العراقي.
٦. يخطأ من يظن ان تضعيف هذه الحكومة والعمل على اسقاطها ومنعها من خدمة الفقراء والمحرومين تحت اي مسمى ومن اي جهة حزبية يخدم مصالح هذه الجهة او ذاك الحزب لان السنن الالهية لاتسمح بدوام الظلم فلعل هذه الحكومة هي الفرصة الاخيرة في حياة الاحزاب والطبقة السياسية الحاكمة لذا فان فشل هذه الحكومة سيؤدي هذه المرة الى ثورة شعبية عارمة تختلف عن الثورات السابقة التي حركتها الاحزاب والجهات المشتركة في الحكم ضد بعضها .
https://telegram.me/buratha