د. عطور الموسوي ||
ظلت والدتي طيلة عقود البعث المظلمة تترقب ولديها وعودتهما بأمل منبعث من ثقتها بالله سبحانه ، على الرغم من ان كل المعطيات المنطقية تشير الى استحالة وجودهما على قيد الحياة نظرا للقمع والقسوة التي جابهت بها سلطة البعث كل معارض ولو عارضه في ضميره فقط ..
ولان عوائل المعتقلين في بحث دائم عن فلذات الاكباد فهم حتما يلتقون عند ابواب مديريات ودوائر أمن السلطة التي تعددت وتشعبت ، ومن هنا تولدت علاقات جديدة بينهم حيث الدموع جمعت الامهات ، ونار فقد الولد واحدة تكويهن جميعا .
حافظت امي على هدوئها رغم المحنة وعذابات تعيشها لحظة بلحظة ، لكنها تتالم دون ان تشعرنا بوجعها ، ومن احن منها علينا وهي ترانا هدف لسهام البعثيين يطاردوننا في مدارسنا وحيثما اتيح لهم ذلك ، ويزورون بيتنا زيارات قسرية مرعبة يقصدون بذلك اشعارنا انهم يراقبون كل امور حياتنا بل يعدّون علينا انفاسنا .
عندما مات ابن جارنا رياض غرقا وهو شاب في مقتبل العمر لم يتجاوز عقده الثاني، تفاعلت امي بشده معه ومع امه الثكلى اذ كانت ابنتين لها وولد قد اعتقلا ..وكأن الطيور على اشكالها تقع والقاسم المشترك هو نزيف القلوب الولهى ، امي التي لاتخرج من البيت الالضرورة ، اسرعت تواسي امه بقلب فجيع ودموعها لاتتوقف ...
الفتى غرق في نهر دجلة ولم يعثروا على جثمانه بعد ... فخرج اهله وطلبوا من امه تنادي باسمه هكذا يعتقدون انه سيلبي نداءهم ويطفوا على سطح الماء.
صاحت الام الثكلى باسمه : "رياض.. يمه رياض" ولم يطفُ الغريق .. فطلبوا من امي ان تنادي باسمه فصاحت وهي التي لاتعرف الصياح: رياض . .رياض..
وتبكي بكاءا مرا .. وبعد دقيقة واحدة طفى جثمان الشاب الغريق وتعجب الجميع مما حدث وصار صوت امي الخجول مضربا للامثال وتحدث به اهل الغريق رجالا ونساءا هم مستغربين من خروجها معهم الى جرف النهر .. والاكثر استغرابا انها علا صوتها بينهم وهم لم يسمعوا لها صوتا قط .
حركها قلبها المفجوع بولديها .. وتقمصت دور امه دون شعور منها .. انها لوعة فقد الولد نار فقده في القلوب لاتعرف لظاها الا الثكلى .
حفظك الله ياامي واعان قلبك الكليم واثابك اجر الصابرين بغير حساب .. انه سميع عليم ..
10ربيع الاول 1444
7/10/2022