طالب رحمة الساعدي ||
الخطوة الثالثة : أسس الحضارات
لكل حضارة من الحضارات الانسانية أُسُسٌ فكرية ونفسية كانت لها هي القوة الدافعة ، والموجهة، والمحددة لخط سَيرِها .
ولذلك لابد ان تكون المظاهر الحضارية لكل أمة نتائج ملائمة لمجموعة الافكار والعقائد والتقاليد والعوامل النفسية المهيمنة عليها ، ويشهد لهذه الحقيقة الامثلة التالية .
اولاً: كانت الاسس الفكرية عند اليونان الاغريق قائمة على تمجيد العقل . ولذلك كانت مظاهر حضارتهم ذات صلة وثيقة بهذه الاسس ، إذ أثمرت لهم خلال قرون علوماً فلسفية ورياضية ونفسية وطبية ، وفنوناً جمالية مختلفة .
ثانياً: وكانت الاسس الفكرية عند الرومان قائمة على تمجيد القوة ، والرغبة ببسط السُلطان الروماني على الشعوب ، لذلك كانت مظاهر حضارتهم ذات صِلَةِ وثيقة بهذه الاسس ، إذ أثمرت لهم خِلال قرون إعداد أجساد قوية وجيوش متقنة البناء ، حسنة الاستعدادات والتدريبات الحربية ، وارثتهم هذه القوة سلطاناً ممتداً في الارض على شعوب كثيرة ، غَلبُوها واستعمروها ، واستغلوا خيراتها ، كما أثمرت لهم ايضا اشتراع مجموعة من القوانين والتنظيمات المدنية والعسكرية .
ثالثاً: وكانت الاسس الفكرية عند الفرس قائمة على تمجيد اللذة الجسدية والسلطان والقوة الحربية ، ولذلك كانت مظاهر حضارتهم ذات صلة وثيقة بهذه الاسس، إذ أثمرت لهم خِلاَل قرون قصوراً فخمة، ومجالات كثيرة للترف المفرط، وجيوشاً حربية ذات بأس ، بسطت سلطانهم على شعوب كثيرة غلبوها واستعمروها واستغلوا خيراتها .
رابعاً : وكانت الاسس الفكرية عند الهنود قائمة على تمجيد القوى الروحية وتنميتها بقهر مطالب الجسد وكَبْتِ غرائزه، ولذلك كانت مظاهر حضارتهم ذات صلة وثيقة بهذه الاسس، إذ أثمرت لهم خلال قرون مجموعة كبيرة من التعاليم الروحية التي اخذت بتطاول الأمد صبغة ملل ونِحَلٍ وديانات ، ووجهتهم للتعلق بالعلوم الروحانية المختلفة ، كالسحر وفنون الحيلة الخادعة للحواس ، التي تعتمد على التلاعب بها ، والتأثير على النفوس من ورائها ، ومنحتهم مهارات مختلفة في التأثير على الاحياء الشرسة، فكثر فيهم حُواةُ الثعابين والحيات والعقارب ، ونحو ذلك من الهوام السامة المؤذية .
خامساً: أما حضارة القرون الحديثة التي بدأت منذ أواخر القرن الثامن عشر للميلاد واستمرت في نموها المادي تمتد وتنتشر من مهدها في اوروبا الى كثير من بلاد العالم فأسسها قائمة على تمجيد العلوم المادية ، والاستفادة من جميع الطاقات الكونية الكمينة والظاهرة لخدمة الجسد ، ومنحه وافر الرفاهية والمتعة واللذة ، واختصار الزمن له ، وتقريب المسافات ، وتخفيف الجهد عنه ، ودفع الآلام الجسدية وقائمة ايضاً على الرغبة ببسط السلطان على الشعوب واستغلال خيراتها ، وإعداد القوة الكفيلة بتحقق ذلك
ولذلك نلاحظ ان مظاهر هذه الحضارة الحديثة ذات صلة وثقية بهذه الاسس، إذ اثمرت لإنسان هذه القرون الحديثة ولمن يأتي من بعده مجموعة كبيرة جداً من العلوم المادية المتطورة المتقدمة، ومجموعة ضخمة من المبتكرات والمخترعات التي أفادت الانسان في مختلف نواحي مطالبه المادية ، السلمية والحربية ، ومجموعة ضخمة من النظم والتشريعات الوضعية ، التي ساهمت في تنظيم علاقات الناس أفراداً وجماعات وأمما وشعوباً ودُولاً، كما أثمرت له ذخائر كبيرة جداً من القوى الحربية الدفاعية والهجومية .
الخطوة الرابعة : عناصر الحضارة وأركانها
لما كانت الحضارة هي ثمرة التفاعل بين الإنسان والكون والحياة فعناصر الحضارة أو أركانها الأساسية تتمثل في هذه الكليات الثلاثة: الإنسان- الحياة- الكون .
وذهب ديورانت الى ان الحضارة تتألف من عناصر اربعة :
- الموارد الاقتصادية .
- النظم السياسية .
- التقاليد الخُلقية .
- متابعة العلوم والفنون .
https://telegram.me/buratha