د. مثنى الغانمي
أستاذ الإعلام الدولي
كلنا شاهد قبل أيام قليلة وسط بغداد وبمنطقة الكرادة تحديداً ، مشهداً دراماتيكياً مأساوياً يربطنا تاريخيا بسيناريوهات الأفلام المصرية بسبعينيات وثمانينيات القرن العشرين التي ما خلت أغلبها من مثيلها كسقوط بناية المختبر الوطني وإنهدامها بالكامل!! لا بسبب تدخل ما، أو عارض طبيعي، بل كان السبب الفسادَ وأساسَ المبنى الذي لم يُشيد وفق ضوابط قانون الإستثمار ،كما صرحت بذلك رئيسة الهيئة الوطنية للإستثمار سهى النجار.
والمُبكي بالأمر، أن المشهد الدراماتيكي قد يتكرر في بغداد أو محافظة اخرى، ولسببٍ بسيط وواضح هو كثرة البنايات والمولات التجارية التي علت هضباتها في ليلة وضحاها دون معرفة معايير متانتها والجدوى الإقتصادية والعلمية لتشييدها، واكيد ما خُفي من جدوى (كان أعظمُ)!!
وبالحقيقة هذا السقوط المادي لبناية الكرادة يجرنا للحديث عن خطورة الإنهدام المعنوي غير المرئي للكثير من مؤسسات الدولة العراقية عبر آلياتٍ وسياقاتِ عملٍ خطيرة على مستقبل سيادة الدولة بشكل عام وكيان المؤسسة بشكل خاص، إذ تساهم تلك السياقات في اغلب الاحيان بوضع الشخص غير المناسب بالمكان المناسب وتمكينه من ممارسات قتل روح العمل والإخلاص للمؤسسة، واتخاذ مبدأ خاص بالإدارة كالواجبات على الموظف والحقوق للمسؤول حصرا ، وهذا لا يلتصق بمؤسسة ما أو وزارة معينة، بل الموضوع أصبح منهاج عمل يتكرر مع بداية كل دورة حكومية ، وكأنه خُط علينا خطا (كلما دخلت أمة لعنت أختها)، وهذا بتقديري لُب الفساد الناعم الذي يفتك بالبلدان العربية والاسلامية فقط.
فهكذا بدا العراق أيها السادة بعد عام ٢٠٠٥ ، يترنح بين دستورٍ عاجزٍ مخترقٍ ، وإراداتٍ تريد الإبقاء عليه كما هو، وسطَ مقابرَ معنويةٍ تتوسع يوما بعد آخر للكفاءات والنخب العراقية الوطنية المستقلة ، والتي باتت تحت طائلة رغباتٍ سياسيةٍ ومزاجات أهواء غايتها المنفعة الشخصية دون الإكتراث للخطر المعنوي المحدق بمؤسسات البلد ، والتي أرهقتها التحديات والإدارة بالولاء والغباء.
وعلى الرغم من سوداوية المشهد والمستقبل المجهول الذي تنتظره الأجيال الناشئة في العراق، إلاّ أنَّ الوضعَ العام لا يخلو للعراقيين من بحبوحة أمل ، قد تشكلُ مسقطَ ضوءٍ على مواقع معالجة الكثير من مشاكل إدارة الدولة وتصحيح مسار النظام الإداري لمؤسساتها، ووضع الشخص المناسب بالمكان المناسب ، واللجوء الى سياسة الإدارة بالكفاءة، والمضي بسياق إنتاج الشخصيات القادة في المواقع الإدارية ، وذلك من خلال قراءة ما ورد من البرنامج الحكومي المزمع تنفيذه من قبل حكومة المرشح السيد محمد شياع السوداني، وتركيزه على ملفات الكهرباء والصحة والخدمات البلدية ومحاربة الفساد الإداري والمالي وبتوقيتات زمنية محددة، حتى صار الرجل أمام تحدٍ كبيرٍ وقاسٍ ، بإختلاف آراء البيئة السياسية المحلية به كرجلٍ للمرحلة، وحديث وسائل الاعلام بالمقاربات مع الحكومات السابقة عن انقاذ الحكومة المرتقبة ما يمكن، أو منع التسافل الإداري بالمؤسسات وكبح جماح الفاسدين على أقل تقدير، والايمان المطلق بمعاني الإصلاح السياسي والإجتماعي الذي طالبت به المرجعية الدينية في النجف الأشرف وشخصيات وزعامات سياسية عبر آليات وأدوات تنفيذ غير تقليدية للبرنامج وكابينته ومهنية مستشاريه ووطنية فريقه.
كل هذه الحيثيات الإيجابية التي تنتظر مساحات التنفيذ ستكون بوصلة وجادة نحو كل ما هو أفضل للعراق، شريطة سلامة النوايا والضمير ، لا شريطة تجييرها بإسم رئيس حكومة ما، أقول ربما ستنتهي كل هذه الحيثيات الى أساسٍ مبنيٍ وفقَ ضابطة الاستثمار الوطني للطاقات والعقول العراقية ، لا أساس مبنى (المختبر الوطني) المنهار.
https://telegram.me/buratha