إسكندر الصافي ||
من دوامة التنافسات والصراعات المعلنة التي احتدمت بين ال سعود وال ثاني وال نهيان بعد التورم المالي الذي أحدثه النفط في بلدانهم ، ومع سقوط الصنم واحتلال سيدهم الأمريكي لبغداد ، برزت موجات التدخل العدواني السافر لهؤلاء الأقزام في الملف العراقي ، وتنوعت أساليبه وأدواته بين مد تكفيري فجّر آلاف الانتحاريين والمفخخات في أسواقنا ومدارسنا ومساجدنا وملاعبنا ليقطع شرايين حياتنا وبين دفعات أموال ضخمة تدفقت لساسة المناطق الغربية في محاولة لمنع شيعة الجنوب من حكم بلدهم ، وإلى أيادي خفية امتدت لتتلاعب بإصوات العراقيين لتلوث مناخ الديمقراطية الممنوعة عن شعوبهم.
وإذا كان لملوك الوهابية في الرياض نصيبهم الأوفر من حصاد القتل الطائفي في مدن وسط وجنوب العراق ، وكان لموزة وأسرتها المالكة دورهم المشبوه في دعم وتمويل الزمر التكفيرية وأعمالهم الإرهابية في العراق وسوريا وغيرها من البلدان ، فقد برز الدور الإماراتي المشبوه في العراق ، حتى غدا (طحنون) عنواناً بارزاً لكل الأدوات التي شوهت المشهد الوطني خلال السنوات الخمس الاخيرة التي أعقبت انتصار العراقيين على (داعش).
وفي سابقةٍ لم يسمع بها العالم من قبل تمددت أيادي طحنون لتسيطر على مفاصل أهم وأخطر مفاصل الأمن القومي العراقي حين تحول جهاز المخابرات ورئيسه المتسلق على سدة السلطة في البلاد إلى دمية صغيرة بين يدي الطحنون .
وبالأموال المتدفقة من دبي وأبو ظبي لتفعيل واستغلال ما يعرف بتشرين 2019 الذي خطط له وقاده أسياد الكاظمي وعصابته القذرة التي استولت على مقدرات العراقيين بعد اسقاط حكومة عبدالمهدي في سابقة لم تعرفها بلدان الديمقراطية الا في العقدين الاولين من ألفية هذا القرن ، أصبحت بصمات الأصابع الإماراتية مطبوعة على مختلف مراحل التقلبات والاضطرابات التي شهدها العراق خلال العامين الأخيرين .
فلم تكن السيطرة على المخابرات هي البوابة الوحيدة لتزييف نتائج الانتخابات البرلمانية 2021 ،فقد شهد العراقيون إنقلاباً دراماتيكياً على العملية السياسية الناشئة ، لم يكن لها من هدف إلا إنهاء الوجود الشيعي الذي انبثق عن الحشد والمقاومة ، فكانت رسل القوم إلى موانئ الإمارات هي الوقفة العراقية التي أصبحت سداً منيعاً أمام كل محاولات ال نهيان المنشغلين بسباق تنافسي مع زملائهم الخليجين على اليد الطولى في العراق والمنطقة .
وأعلنت الامارات عن استسلامها ، وتراجعت عن مخططاتها ، وأدركت أن الحوثي العراقي لايجارى ايضاً ، وانفرط عقد تحالفها الثلاثي في العراق ، وأبلغت أدواتها بتخليها عنهم ، وعاد الحراك السياسي إلى طبيعته ، حتى اقترب موعد قطف الثمار ، وبدا صبيهم المبخوت بحزم حقائبه بعيداً عن قصر الرئاسة العراقية غير مأسوفٍ عليه بعد أن فقد كل قدراته على التشبث بولاية جديدة .
ومع هبوب ريح تشرين هذه الأيام تحرك رأي الأفعى من جديد وظهرت آثار طحنون في بغداد على امتداد محيط ساحات التظاهر إنتشرت اياديه الآثمة لزراعة الموت وإراقة الدماء من أجل فوضى عنف عارمة تحفظ لدميته القدرة على المكوث في كرسيه لمدة يريدها أن تطول ما أمكن .
وأمام المعطيات المتوفرة بين أيدينا ، فإن المحاولة الاخيرة إن لم يتم إيقافها وإنهاؤها عاجلاً ، فإنها ستكون القشة التي ستقصم ظهر بعير حكام الإمارات وأسيادهم وأدواتهم في العراق فما عاد في القوس من منزع .
ولن يكون مشهد غربان طحنون في بغداد الا إيداناً بعودة النوارس إلى الشواطئ الخليجية من جديد .