د.محمد العبادي ||
كان الجيش العراقي يضم كبار القادة الميدانيين والإداريين ،وقد درسوا العلوم العسكرية المختلفة ، ودخلوا خلال فترة تدرجهم الوظيفي بدورات كثيرة في التدريب الميداني ، والتعبئة ، والطوبغرافيا،والقيادة والسيطرة، والإنضباط العسكري، وإدارة العمليات العسكرية ، ونظم الخدمة العسكرية ،والاستخبارات وغيرها حتى بلغوا مراتبهم العليا في أثناء سنين الخدمة في الجيش ، ونقلوا تجربتهم تلك إلى أكفائهم أو إلى مَن هو أدنى منهم في الرتب العسكرية .
من المفترض ان يتم تكريم هؤلاء الضباط الذين أقسموا على خدمة بلدهم ،وان تحترم رتبهم وشأنيتهم وخبراتهم، ومع أن بعضهم قدموا لنظام صدام خدمات جليلة، وخدموه بإخلاص، لكن النظام السابق كان فاقداً لقيم الشهامة والفروسية،ولايقيم وزناً لسوابق مريديه وأتباعه مهما بلغوا وبالغوا في خدمته ،وكان ينزل بهم أقسى العقوبات لمجرد شائعة ، أو وشاية صنعها الحسد والغيرة، أو الخلاف الشخصي، أو الإخفاق في موقف معين، أو الفشل في معركة معينة ، وكان يحاسبهم حساباً عسيراً حتى لو كان ضابطاً للإعاشة أو ضابطاً إدارياً ولا علاقة له بساحة العمليات العسكرية؛ مثلما حصل مع العقيد نجاة شكري مصطفى ( التركماني) الذي كان آمر مدرسة الفرقة السابعة قوات المنصور التابعة للفيلق الأول، ومن المفارقات أن الذي نفذ حكم الإعدام بالعقيد نجاة شكري هو العميد الركن علي الحيالي قائد الفرقة الخامسة قد تم إعدامه أيضاً في وقت لاحق في معركة الفاو.!!!
وأيضاً تم إعدام الفريق الركن صلاح القاضي قائد الفيلق الثالث سنة ١٩٨٣م على أثر هزيمة الجيش العراقي والخسائر الكبيرة في معركة( خرمشهر أو المحمرة ).
وبعض الضباط إلى يومنا المشهود هذا أو إلى هذه اللحظة لا يعرف أهله ولا أصدقائه سبب إعدامه مثل اللواء الركن حامد أحمد الورد والذي أحيل على التقاعد سنة ١٩٨٨م ،واعدم سنة ١٩٩٠م، وبعض هؤلاء الضباط كانوا من المخلصين للنظام السابق مثل الفريق الركن كامل ساجت والذي تولى قيادة الاستخبارات العسكرية لكن تم إعدامه وأطلق النار عليه في ( أبو غريب) من قبل شرطي امن خريج ابتدائية.!!! وأيضاً تم قتل الفريق الركن ثابت سلطان والذي كان قائداً للفيلق الرابع، ومن ثم بعد ذلك معاون رئيس أركان الجيش ،وقد تم إعدامه لوشاية نقلها لواء الاستخبارات صابر الدوري لصدام حيث كان الفريق ثابت في مجلس شرب في نادي كركوك قد ندت منه كلمة قال فيها وهو مخمور :( ما ندري إلمن نگول سيدي ونؤدي التحية ؟ هل نؤديها لريس عرفاء علي حسن المجيد لو نؤديها لعريف حسين كامل ؟) حيث تم منحهما رتبة فريق أول ركن من قبل المهيب الركن الملهم صدام حسين [ خريج كلية الحقوق كما يدعون]، وقد تم إعدامه سنة ١٩٩٣م.
وبعضهم رغم كل أنواط الشجاعة وقراءة المراسيم الجمهورية التي تشهد له بالشجاعة في ( الذود عن شرف الأمة وحياضها) حسب تعبيرهم ،ورغم توقيعات صدام وتمجيده به، وأنه من أصدقائه(لكن صدام وربعه ماعدهم صاحب صديق) ،وتم إعدامه .
وأيضاً مثل الفريق الركن بارق الحاج حنطه ، واللواء الركن قوات خاصة عصمت صابر عمر تم إعدامهما سنة ١٩٩١م ، وربما لو أراد أحد الناس الذهاب إلى مديرية الأمن العسكري لوجد كثير من الكتب الصادرة بإعدام كثير من الضباط رمياً بالرصاص لا لشيء إلا لأن الأوامر صادرة من كبيرهم وفقط !!! ،وهو الذي لم يصمد أمام الأمريكان ولم يطلق طلقة واحدة نحوهم ، ورضي لنفسه ان ينتقل من مكان إلى مكان بديل، واخيراً قبضوا عليه في تلك الحفرة مع أنه يسمي نفسه ( المهيب الركن )!!!، وقد تحدث عن الشجاعة والرجولة آلاف المرات لكن كما يقول المثل: ( ثلثين المراجل چذب).
وينقل الفريق الركن علي غيدان ان ( الرئيس صدام ) كان قد أقام مسائلة للفريق الركن بارق الحاج حنطه والفريق الركن عصمت صابر عمر والعميد علي غيدان وغيرهم أثر الهزيمة التي مني بها أمام القوات الأمريكية وعلى أثرها تم إعدام هؤلاء الضباط الكبار ،وتم سجن بعضهم !
لنسأل أي شخص موضوعي عن هذا المشهد من المسائلة والإهانة للضباط هل يحق لصدام ان يحاسب هؤلاء القادة بعد أن إتخذ قرار الحرب لوحده[ حسب ما ذكر الفريق أول نزار الخزرجي] من دون علم حتى وزير الدفاع عبدالجبار شنشل العزاوي، ولارئيس الأركان الفريق أول الركن نزار عبدالكريم الخزرجي،ولاحتى مجلس قيادة الثورة الذي يرأسه بنفسه ؟! فقط شخص واحد هو الذي يعلم بغزو الكويت وهو صهره الفهيم العليم ( حسين كامل )!!! ،وبعد ذلك أعطى علماً للفريق الركن أياد فتيح الراوي قبل الغزو بيومين أو ثلاثة أيام !!!.
فهل يحق له استجواب أولئك الضباط الكبار بعد أدخلهم في حرب خاسرة في مواجهة القوة العسكرية رقم واحد في العالم ومعها أحلافها؟!
وهناك ضباط تم توجيه تهمة التآمر لهم في قلب نظام الحكم مثل اللواء الطبيب راجي عباس صالح التكريتي وقد تم قتله بطريقة بشعة لاتنم عن شهامة قاتليه ،وأيضاً اللواء الركن الطيار محمد مظلوم الدليمي والذي
ّمه )صدام بأنواط شجاعة وأعطاه سيف القادسية والذي يحمي صاحبه من الإعدام،لكن تم إعدامه مع مجموعة الضباط سنة ١٩٩٥م بتهمة تدبير إنقلاب على صدام حسين .
لقد كان النظام السابق وقائده ( المُلهم) لا يحترمون تواقيعهم،ولايحترمون القوانين التي يصدرونها واعدموا كثير من الضباط الذين شهدوا لهم بالشجاعة والمهنية .
وهناك ضباط آخرين أتت عليهم سطوة صدام وقصفت أعمارهم مثل العميد الركن برهان خليل آمر اللواء ٣٨ ،واعدم معه أمراء الأفواج الذين كانوا تحت أمرته، وأيضاً تم إعدام المقدم الركن أكرم إبراهيم عواد المشهداني حيث تم إعدامه سنة ١٩٨١م وغيرهم .
لقد كان بإمكان النظام السابق أن لايلجأ إلى إعدام القادة العسكريين وإهانتهم بهذه الطريقة، سيما وأن الحرب كما يقولون :( كر وفر )،وان النصر لا يأتي دائماً بماتشتهي سفن صدام وأزلامه ، وكان بإمكانه أن يعاقبهم بأساليب أخرى مثل ان يقوم بتنبيههم ،أو نقلهم أو تنزيل رتبهم، أو إحالتهم على التقاعد وما إلى ذلك ،لكن (لكل امرئ من دهره ماتعودا )وعادات صدام التي إعتادها ان يقتل بلا شفقة وبلا محاكمة عسكرية.