سلمى الزيدي ||
لا مراء في أنه تم و بشكل محكم، إستتباب مايسمى “بالإنحطاط الكبير”، الذي وصلت له معظم الدول العربية على جميع المستويات، سياسياً و فنياً إعلاميا و إجتماعياً…فانتشر الحمقى والتافهون على وسائل الميديا، وأزداد أتباعهم بالألاف إن لم نقل بالملايين. بالمقابل إنقرض المفكرون و المثقفون، بل لم يعد لهم وجود على الساحة وإكتفوا بمراقبة تيار جارف من السفاهة والإستبلاد يغزوا العديد من الميادين كالفن والثقافة والصحافة وحتى السياسة، فأصبحت “الميديقراطية” مدرسة التافهين، تنتج لنا وبشكل يومي روادا وأساطير، يرتكبون جرائم بشعة بحق الأجيال الناشئة.
إنه طابور لا ولن ينتهي من حراس المضمون الهابط المتدني متورمي المخاخ الذين إحتلوا الميديا وجلسوا على عرش اله الأعراض الجديد،أضحت لهم حسابات بوسائل التواصل الاجتماعي، تتابعها أكوام هائلة من القطعان المسيرة. فأصبح المواطن العادي مجبرا ومحاطا بهذا المد الجارف من المحتوي الأكثر ردائة وفضائحية، المتحول بشكل رهيب وباستمرار بمجتمعنا.
مثلا نجد محتوي الغناء إختلف بشكل جذري وخطير، من أغاني هادفة وملتزمة سنوات الثمانينات والتسعينات، إلى أخرى منحطة مع مطلع القرن 21 أيضا تحول الكوميديا من كوميديا عائلية هادفة الى كوميديا دنيئة، دائما ما تصوغ لنا شريحة معينة من المجتمع،
الإضحاك بمقالب للأم وللأب أمرا عاديا، بل أبعد من ذلك يكون المضمون خادشا للحياء في بعض الأحيان.تزداد موجات التافهين العاتية يوما تلو الآخر، ونزيد نحن أيضا ممن يتلقون المحتوى في حركتنا التفاعلية، المؤسسة لهندسة الجهل بدعم الحمقي والإنحطاط، فجعلناهم قادة مسيطرين على الإتجاهات الفكرية والفنية والثقافية وفي بعض الأحيان حتى الدينية من بعضها وهذا هو الأخطر.
كل هذا وذاك قيد من أدوار الأسرة والمدرسة نظرا لتفككها وعقمها المتزايد عن التوجيه والتربية وغرس القيم، وأصبحت في إضمحلال متزايد، جراء تفاقم الطلب على متابعة الحمقى والتافهين من شرائح عريضة من المجتمع، مما يضع معه أجيالنا الحالية والقادمة أمام فوهة المجهول، والضياع القيمي والمعرفي، فموجة السخف ومضامين الميديا الهابطة، ليست عابرة كما نعتقد.
رغم أن حراسها إشتهروا في زمن قياسي وسلطت عليهم الأضواء، فهم ثابتون قد يسقط تافه من عرش الفن أو الصحافة…ليصعد أخر يتقن فنون اللعبة جيدا، ليعكر الذوق العام، بما إستقاه من مستنقعات الدنائة، فلم تسلم ميادين الفن والإعلام ووسائل التواصل الإجتماعي منهم، فلا جديد تحت الشمس مع سرطانات الميديقراطية التافهة.
بيوتنا وقيمنا وعاداتنا وضوابطنا القيمية الجادة أصبح منظورها يشوه تدريجيا، وهي التي تحت رحمة غزو المضمون المنحط من كل صوب و حدب، بل تحولت عامتنا من الضامن لحماية القيم و الذوق العام الراقي المحترم لخصوصية الطابع المغربي الفريد الى المدافع والمطالب والباحث عن التفاهة، من خلال إما رفع نسب المشاهدة، أو الدفاع عن قدوتهم من التافهين في مجامع الناس ونقاشاتهم أو جس النبض عن طريق نسب الإستطلاع، فتم جعل المستهلك محور تدنيس القيم المجتمعية النبيلة بجعله الأداة بنفسها وليس المستهدف.
هي فوضى إذن نؤدي ثمنها غاليا، فوضى المحتويات الدنيئة على جميع المستويات، تم ضبطها و إحكامها بعناية فائقة لغاية في نفس يعقوب.
فى الأخير يمكن التأكيد على أن رهاننا ومعركتنا نحن شعوب العالم الثالث أمام الميديقراطية التافهة، هو الوعي والتعلم لبناء أجيال قادرة على مواجهة مظاهر الإستبداد وتوريث البلاهة وتعطيل التفكير، أجيال أساسها القيمي والمعرفي متين.
فمهما بلغت تكلفة صناعة الإستبلاد والتفاهة، ومهما سعى صانعها لتصدير الجهل، وتوطيد الإنهيار الأخلاقي، يبقى التعلم والوعي هو روح المجتمع، التي تنتقل جيلا بعد جيل.
ألواح طينية ، روح المجتمع، سلمى الزيدي
https://telegram.me/buratha