إيمان عبدالرحمن الدشتي ||
شهران أوشكا أن يطويا ما تبقى منهما من ساعات ابتدأناهما بالحسين عليه السلام وسنختمهما بجد الحسين، وكأنه صلى الله عليه واله وسلم يقول: (حسين مني وأنا من حسين، أحب اللهُ من أحب حسينا) فيتدارك آخر يوم منهما الإمام الرضا عليه السلام ليقول لنا: ( ان كنت باكيا على شيء فإبك على الحسين) فبذكر الحسين يكون الإعتدال.
محرم وصفر شهران عشناهما، كانت حياتنا فيهما أنموذجا صالحا وقدوة يستحسن تطبيقها في باقي الشهور، فبقدر ما حمّلانا من هموم وأحزان وآلام وجزع وافتجاع لما جرى على سبط النبي وقرة عين الزهراء والوصي أبي عبدالله الحسين وعياله عليهم جميعا صلوات الله وسلامه، إلا أن هناك فرحة مغمورة، وطمأنينة وسكينة عاشتها أنفسنا في هذين الشهرين مستمدة من عمق إيماننا والتزامنا بطاعة الله، وهذا ما أرادته دماء العترة الطاهرة عندما سيلت.
فبين إحترام وتعظيم لما جرى على آل البيت عليهم السلام من مصائب، كان المجتمع يعيش حالة من الخشوع والإلتزام ومحاسبة النفس والاستماع الى المحاضرات الاسلامية والتي هي كلها وعظ وإرشاد، والابتعاد عن إشاعة الفرح والسرور الغير مبرر في مجالس اللهو والمزاح وترك الإستماع الى ما حرم الله مثل الطرب والغناء، بحيث يشعر الإنسان انه لا يحق له التمادي في إظهار سعادته لأي امر كان خجلا من الرسول وعترته عليهم الصلاة والسلام، وهو امر بحد ذاته فيه تعويد للنفس على السمو والاستعلاء على سفاسف الأمور.
حين دخول وقت فرض الصلاة تستنهضك النفس للقيام لأدائها وتصوّر لك سيد الشهداء روحي فداه في أحلك ظروف يوم عاشوراء وهو يؤديها في وقتها لانها حبل الوصل بين العبد وربه، التكافل الإجتماعي وموائد البذل والعطاء والإطعام فكانت في اوجّها على مدار أيامهما، وما رأيناه في أيام الأربعين فهو عطاء وبلا حدود لا يمكن بلوغ وصفه، فالفقير ينفق ما بين يديه رغم خصاصته، والغني يجود باغلى ما يملك وكأن لسان حاله يقول: "إلهي ان كان هذا يرضيك، فخذ حتى ترضى" إضافة للتسامح والتصالح والتعامل بمنتهى الانسانية في كل المجالات ومع مختلف الفئات.
ما لمسناه من اعتدال عم هذين الشهرين لم يكن صدفة، بل هو غاية تضحية أبي عبدالله الحسين عليه السلام لجلي القلوب التي صدأت بسبب ابتعادها عن جادة الصواب، وطبعا ان هذه الصفات هي ذاتها التي سيتحلى بها مجتمع الإمام المهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف قريبا بإذن الله تعالى.
ما بيناه لم يكن لعامة المجتمع والبشرية حتما؛ فكثير منهم كانوا غافلين ولم يذرفوا دمعة ولم يحترق لهم قلبا ولم يتزودوا من مباديء العترة الطاهرة، بل لكل من اتخذ الحسين عِبرة ونهجا رساليا وعَبرة تُحرق القلوب على ما دهاه وأهل بيته من شياطين الإنس، فإذا كنا قد تحكمنا بجوارحنا في شهرين كاملين احتراما لسيد الشهداء عليه السلام ولتضحياته الخالدة، أفلا نتمكن من الإستمرار في عشر شهور أخرى ونحن نعلم أن "كل أرض كربلاء وكل يوم عاشوراء؟!"
ــــــــــــ
https://telegram.me/buratha