محمد مكي آل عيسى ||
يقول العلماء أن التجلّي هو ظهور الشيء في المقام الثاني من دون أن يغادر المقام الأول يعني مثلاً أن الشمس تتجلّى في المرآة يعني تظهر فيها من دون أن تغادر مكانها ويظهر القمر متلألئاً على صفحة الماء فيتجلّى في الماء وهو في أعالي السماء.
ونفس المعنى يطلقه العلماء على الحق تعالى من أنه يتجلّى في قرآنه وفي مخلوقاته على ضعفها وقلة شأنها فيعرفه ذوي الأبصار من آثاره التي يظهر فيها مع بقائه سبحانه بمقامه المتعال.
ولا أحد منّا ينكر أن الرحمة الإلهية قد تجلّت بشخص الرسول الكريم صلى الله عليه وآله وإن ميكائيل يجلّي اسمه الرزاق والروح يجلّي اسمه المحيي وملك الموت يجلّي اسمه المميت وهكذا وكل بحسبه.
ولما كان في تقديره تعالى أن جعل الإنسان خليفة له في الأرض، كانت صفات هذا الخليفة محاكية لصفات من استخلفه، وكان بإمكان هذا الإنسان على نقصه وحاجته وفقره أن يجلّي بعض الصفات والأسماء الإلهية.
فالطبيب يجلّي اسم الله المشافي والأب عندما يرزق عياله ويطعمهم يجلّي اسم الله الرزاق والمطعم، ومن يغفر ويعفو فإنه يجلي اسم الله الغفور والعفو ومن يرسم لوحة فنيّة رائعة يجلّي اسمه البديع ويبقى لله المثل الأعلى والإنسان يجلّي هذه الأسماء والصفات على ضآلة قدره وفقره والله هو الغني الحميد.
وعلى ما تقدّم إذا نظرنا للزيارة الأربعينية المعظّمة والتي لم يشهد تاريخ الإنسانية تجمّعاً سلمياً عقائدياً سنوياً فاتحاً بابه لجميع الطوائف والعقائد والملل مثلها، فإن في هذه الزيارة هناك تجليات للحق جلّ وعلا تظهر في شيوع ظواهر عجيبة لا تظهر في غيرها من الأماكن والأزمان بهذه الصورة، ومنها العطاء اللامحدود الّذي يجلّي صفة العطاء الإلهي واسمه المعطي، وكعطائه تعالى تجد في هذه الزيارة العطاء بغير حساب، العطاء للصغير والكبير، العطاء من غير مَنٍّ ولا أذى، العطاء من دون انتظار مقابل، العطاء مع غض النظر ما هو ومن هو المقابل المتلقي للعطاء.
تتجلّى صفة الكرم الإلهي . . تتجلى صفة الجود الإلهي . .يتجلّى اسمه المطعم ، فبمجرّد أن يتساءل المتأمّل فيقول إذا كان هذا هو عطاء الناس فكيف سيكون عطاء الله؟؟! فقد جلّت هذه الزيارة عطاء الله وكانت مرآةً له وذكّرت به.
ومن دقق وتأمّل في جميع مظاهر هذه الزيارة سيجد الكثير من التجليات الإلهية فيها ففي الأمان الذي فيها، تُجلّي اسمه المؤمن وفي المسالمة التي فيها، تُجلّي اسمه السلام وفي تبيان هذه الزيارة لغلبة الحق على الباطل، تُجلّي اسم الله العزيز الغالب وهكذا .
ولتوضيح ذلك أكثر فإن كل كمال نراه في خلق الله على محدوديته ونقصه إنما يشير إلى كمال الله المطلق اللامتناهي وهذه الزيارة المعظّمة إنما تملؤها الكمالات التي تشير إلى من وهب الكمال وهو الحق جل وعلا فيتجلّى فيها عزَّ اسمه وجلَّ شأنه سبحانه.
ــــــــــــ
https://telegram.me/buratha