عباس العطار ||
عام بعد آخر تزحف الملايين صوب كربلاء الإباء لتجدد عهد الوفاء والولاء لسبط النبي واهل بيته وصحبه في الاربعين من شهر صفر.
في كل عام ومع حلول هذه المناسبة المؤلمة تحدثني نفسي، واحدثها في زحمة من الافكار المتراطمة، ثم اخلص الى السؤال الآتي: لما تخشى الدوائر العالمية هكذا تجمعات بشرية، يتجسد فيها الكرم والتلاحم والتضامن والتآلف وتعزز فيها معاني الاخاء البشري والمحبة، وتترجم فيها مبادئ حقوق الانسان، اذ لا تمييز ولا تعصب ولا عنصرية ولا يسأل في هذه الاجواء الايمانية عن هوية المعزين ومعتقداتهم واتجاهاتهم؟
أليست هذه الملحمة هي دستور عالمي تتجلى فيها مبادئ وجوهر الحقوق والحريات؟!
عند ولادة الاعلان العالمي لحقوق الانسان 1948، سعى النظام العالمي الى نشر وتعزيز وترسيخ اهدافه ومبادئه بكل ما يمتلك من امكانيات تبرز اهمية هذا المنتج الحقوقي الذي يعد انتصار عظيما لجهود البشرية في نضالها من اجل تأسيس نظام كوني يسود فيه العدل والمساواة ويصبح مرجعا تتوازن فيه منظومة الحقوق والواجبات.
لا شك ان هذا الجهد الانساني الكبير مثل انعطافة مهمة نظمت فيه علاقة الحاكم بالمحكوم، واصبح اداة للشعوب في مواجهة الانتهاكات، والحد من تغول وطغيان الحكام، بموجبه منحت الشعوب حقوقها العامة واستطاعت ان تعبر عن حريتها في الرأي وحقها في الاعتقاد وممارسة طقوسها وفعالياتها بكل حرية.
في سياق مناسبة الزيارة الاربعينية هناك علاقة مباشرة بين هذا المهرجان السنوي وجوهر ما جاء في الاعلان العالمي لحقوق الانسان، اذ ان هذه الفعالية وفي كل عام تترجم وثيقة حقوق الانسان، ففيها تلغى كل الفوارق اللا انسانية التي وضعها المتسلطون على ابناء جلدتهم، وفي هذه الممارسة الانسانية تتساقط التصنيفات وتتعالى قيمة الانسان وتتهاوى كل اشكال التمييز والعنصرية، بل تتحرر الذات الانسانية لتعود الى فطرتها، وتسقط اطروحات الحكام، فلا مكان هنا للعبودية والرق والتسلط والاستعباد، فالانسان اخ الانسان، وهنا تتجلى مقولة رائد الانسانية الامام علي بن ابي طالب عليه السلام “فإنّهم صنفان: إمّا أخ لك في الدين، أو نظير لك في الخلق”.
في السنن التاريخية تنتصر ملوك البغي والجور على ارض الواقع، بحسب العرف العسكري، وتموت الجماعة التي تتصدى الى دولة الظلم، فلا مقارنة بحسب المنطق بين القوتين، الا ان التاريخ الذي قرأناه والحوادث التي شاهدناها وعايشناها، كانت شاهدة على انتصار الثلة صاحبة القيم والمبادئ الحقيقية بعد حين من الزمن.
لماذا انتصرت ثورة الحسين؟
ان هذه الثورة لم تكن صراعا سياسيا بين دولتين من اجل مطامع وغايات ومغانم، كما تصوره الاقلام المأجورة ووعاظ السلاطين، بل انها معركة قيم تقابل فيها طرفان احدهما جسد معاني الفضيلة بكل تجلياتها ونصاعة صورها، والثاني مثل ابشع صور الرذيلة والخسة والدناءة والانحطاط والسقوط والاجرام والفجور.
ان بشاعة ما ينقل من حوادث عن واقعة الطف يقربنا من السؤال الآتي: الا تستحق هذه الجريمة البشعة التي حلت بالحسين واهل بيته وصحبه ان تصنف ضمن الجرائم العالمية ضد الانسانية وان تدون في السجل العالمي للشعوب؟
وفي هذا السياق ايضا تتحفز في النفس الانسانية تساؤلات تتوق الى معرفة الاجابة، فعلى سبيل المثال لا الحصر: لماذا يرعب هذا المهرجان المهيب هذه الدوائر التي تدعي دفاعها عن حق الشعوب وتزعم انها تحترم عقائدهم وحرياتهم؟
يبدو من المؤشرات ان امتداد هذا الاشعاع الفكري بدأ يشكل هوية الانسان الجديد في الكونية العالمية بعد ان شوهت فطرته نظريات وفلسفات حطت من قيمته العليا، وأخذ البعض يعيد النظر في شكل العالم وتشكله، على وفق جوهر ثورة الحسين بن علي، التي انتزعت الشرعية من الحكام ودعمت احقية الشعوب على احقية الحاكم، وفندت نظرية الحاكمية التي تقوم على تطويع ارادة المحكوم الى نزعة الحاكم وتمنحه حق التصرف باموالهم وفرض منهج الدولة على الجميع، فلا حرية للتعبير ولا حق في الاعتراض والتمثيل.
ان ما يثير الرعب في نفوس المتحكمين في ادارة العالم ان المسير الى كربلاء أخذ طابع اخر، اذ بدأ أثير النهضة الحسينية يشمل من لا ينتمون لهذه المدرسة لا تاريخا ولا جغرافية، بل شمل هويات متعددة واجناس مختلفة، رأوا في قضية الحسين وصموده وثباته وتضحيته ومبادئه الحقة، ما لم يقرأوا او يسمعوا او يشاهدوا، فسرى حبه في النفوس وتهاوت امام ما قدمه من منهج انساني وبطولي وتضحوي كل النظريات اذ هو القائل " موت في عزّ خير من حياة في ذلّ".
الى/ دعاة السلام والديمقراطية
الى/ مدعي الدفاع عن حقوق وحريات الشعوب.
هل لكم ان تعيدوا النظر بمنهجكم ومنهجيتكم؟
أليس الافضل ان تتسوق نظريات حقوق الانسان والحريات العالمية من منهل هذه الثورة؟
ام ان السلام والديمقراطية والحرية التي تبشرون بها لا شرعية لها الا اذا مرت عبر انبوبكم الفكري والعقائدي والبراغماتي؟
ألا يكفي قتال وزيادة في الشحن الطائفي والعنصري بين ابناء منطقتنا المنكوبة؟
عودوا الى رشدكم وانزعوا فتيل الغل من قلوبكم فان كنتم تزعمون انكم ابناء المسيح او اليهود عليهم السلام فالحسين سليلهم وولدهم وهو الامتداد الحقيقي للنبوة ورسالة السلام والحرية.
ــــــــــــ
https://telegram.me/buratha