سميرة الموسوي ||
لمناسبة ذكرى إستشهاد الامام الحسن عليه السلام .
رؤيتنا لسيرة الامام المجتبى عليه السلام تأتي اليكم بمصطلحات معاصرة ،لكنها لا تغير من وقائع ثورة الامامين الشهيدين الاخوين ؛ الحسن ،والحسين عليهما السلام في ذلك الوقت ،وكلٌ على طريقته في الدفاع عن منهج أبيهما إمام المتقين عليه السلام في الحق والحرية والعدالة والكرامة الانسانية .
من صميم رؤيتنا لحراك الامام الحسن عليه السلام في المعتركين المبدئي الاسلامي والسياسي آنذاك هو أن بعض المسلمين ثم بعض المؤرخين قد جعلوا من عظمة نوعية جهاد الامام الحسن على مختلف الجبهات فعلا جدليا لأسباب مختلفة منها ما قد يوضع في زاوية قصور فهم الحراك الحكيم للامام المجتبى وهو يرسم خطة الصابر المنتصر في أحلك الظروف التي مرّ بها أهل البيت عليهم السلام ومنها عداوة الدولة الاموية بكل مستويات قياداتها لوجود أهل البيت ، أي إن الامويين ومن بعدهم العباسيين جعلوا وجود أهل البيت العامل الاخطر الذي يهدد وجودهم وإستمرارهم في الحكم الذي أخرجوه من مبدأ الشورى الى مبدأ أموي بحت خارج عن الاسلام هو مبدا التوريث بأخذ البيعة أو إنتزاعها بالترهيب للمورَّث .
الحقيقة وكما قرأنا سيرة الامام المجتبى في تلك الظروف فإن حراكه كان متقدما على فهم الناس الذين لم يجدوا وصفاً يصفون به حفيد النبي صلى الله عليه وآله وسلم وهو الامام ... قام او قعد.. بأنه ( مذل المسلمين ) ، والحقيقة أن هذا التوصيف المنفعل والظالم إنما كان في غاية البعد عن فهم غاية الامام المجتبى الكلية في الحفاظ على الرسالة المحمدية ،فقد كان يناضل من أجل ( قضيتين ) هامتين / إحداهما الحفاظ على وجود أهل البيت من التنكيل والبطش الاموي ، والثاني هو كشف سلوك بني أمية المخالف لمباديء الاسلام .
فبأي وسيلة تمكّن الامام الحسن من إجتياز محنة النيات الاموية المبيتة لتصفية أهل البيت ؟ لقد وجد الامام الحسن أن الامويين وبما يمتلكونه من قوة مالية قد أججوا حربا ناعمة ضد أهل البيت ؛ والحرب الناعمة تعني عموما وبمفاهيمها المتعددة ؛ الوصول / أو تحقيق الهدف بالاغراء ودون إستعمال السيف او / إطلاق رصاصة واحدة / ولذلك كان من السهل أن يوسع بنو أمية حربهم الناعمة بالاموال لوسائل إشاعتها ، وحين وعى الامام المُطهّر تطهيرا خطورة هذه الحرب قرر أن يخوضها بالشجاعة المؤمنة بالنصر ،وخوضها لا يكون إلا بجهاد متميز ومتناسب مع أسلحة الحرب الناعمة ،وهو جهاد التبيين .
وجهاد التبيين إعتبره بعض الفقهاء فرضا عينيا على المسلمين لانه ضد التحريف والتزييف والكذب ، و ( والتثبت والتبيين منهج إسلامي واضح المعالم يقوم على صدقية الخبر وسلامة الفعل وهو أدب إجتماعي عام وضروري للحفاظ على وحدة الامة وإستئصال أسباب المنازعات في ما بينها فلا بد من بيان وتبيين في نقل الاخبار والمعلومات ليتوافق التصرف على أساسها مبنيا على الصدق )
فالقراءة الصحيحة لحراك الامام المجتبى مع بني أمية كان جهادا تبيينيا في الحرب الناعمة القائمة على أهل البيت عموما ،وإن إتفاقية ( الصلح) أو ( السلام) ما هي إلا هدنة إنتزعها الامام الحسن من بين براثن بني أمية ، وهي أيضا في حقيقتها ليست سوى (فض إشتباك) ، إذ حصل الامام عليه السلام على ( منصب) الخلافة بعد معاوية وتؤول الى أخيه الحسين من بعده في حياة معاوية .
لقد كانت عبقرية الامام الحسن في إدارة الازمة الاسلامية الكبرى وجهاده التبييني في الحرب الاموية الناعمة قد أنتجت الابقاء على نصاعة مباديء الاسلام ونقائها ولولاه لكان هيّنا على بني أمية أن يحرفوا كلام الله تحريفا ينسجم وأهواءهم ،وإن إستطاعوا أن يُوجدوا دينا موازياً بفقهٍ مزيف إستمر متراكما عبر بنيع العباس الى يومنا هذا .
لقد كان الامام الحسن الصابر الحكيم متمكنا من إدارة دفة الموقف الشعبي الاسلامي حتى أوجد بيئة ثورة تكشف الحق من الباطل ، وحين إكتشف بنو أمية هذه الحقيقة سارعوا الى تصفية الامام الحسن عليه السلام فقتلوه بالسم ثم سارعوا الى أنتزاع البيعة ليزيد في حين أنها يجب أن تؤول للامام الحسين عليه السلام بحسب ما إشترطه المجتبى .
_من هذه المواقف (الحسنية) البارعة في كشف زيف وجود الظالمين نضجت بيئة الثورة ،إذ إن أية ثورة لن تكون بالحجم والنوع الذي يعطيها سمة الثورة إن لم تتفجر في بيئة ثورية مدروسة .
وأزاء ذلك كله فإن ثورة الامام الحسين لم تكن وليدة ظرف ضيق وإنما جذورها ممتدة الى أيام خلافة إمام المتقين عليه السلام ،وحراك أخيه الحسن الذي مهد له وسلمه المفتاح الشرعي والسياسي لتنفيذ مشروع الاصلاح الذي لم يقتصر على الثورة بالسيف فحسب وإنما على جهاد التبيين أيضاً.
... إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا...
++( للمزيد من الاطلاع على مفهومي جهاد التبيين والحرب الناعمة يرجى الاطلاع على كتابنا الصادر في آيار ٢٠٢٢ بعنوان جهاد التبيين والحرب الناعمة في سيرة الائمة الاطهار عليهم السلام _ سميرة الموسوي ، وتم توزيعه مجانا ، ويمكن تحميله pdf من صفحتنا على الفيسبوك ( المجتمع والاخلاق سميرة الموسوي ) .