كوثر العزاوي ||
إن ماجرى على الساحة العراقية من حدث، إنما هي فتنة تتطلّع للثأر والثورة بإراقة الدم، ودعوة باطلٍ هوجاء مدفوعة الثمن بالدولار والريال والدرهم، وقد اختُزِنت في رؤوس العَفَن من القوم داخل وخارج العراق، انطلقت فأشعلت شرارتها التي خلَّفت دمارًا وبمقدار الدمار عارًا! ولقد كفانا الله شرها. ولعلّ مفهوم دوافعها وأهدافها قد اخبرنا عنها سيد الموحّدين وإمام المتقين عليّ"عليه السلام" في الخطبة[٥٠]من نهج البلاغة موضِّحًا فيها:
{إِنَّمَا بَدْءُ وُقُوعِ اَلْفِتَنِ أَهْوَاءٌ تُتَّبَعُ وَ أَحْكَامٌ تُبْتَدَعُ يُخَالَفُ فِيهَا كِتَابُ اَللهِ وَ يَتَوَلَّى عَلَيْهَا رِجَالٌ، رِجَالاً عَلَى غَيْرِ دِينِ اَللهِ! فَلَوْ أَنَّ اَلْبَاطِلَ خَلَصَ مِنْ مِزَاجِ اَلْحَقِّ لَمْ يَخْفَ عَلَى اَلْمُرْتَادِينَ وَ لَوْ أَنَّ اَلْحَقَّ خَلَصَ مِنْ لَبْسِ اَلْبَاطِلِ اِنْقَطَعَتْ عَنْهُ أَلْسُنُ اَلْمُعَانِدِينَ، وَلَكِنْ يُؤْخَذُ مِنْ هَذَا ضِغْثٌ وَ مِنْ هَذَا ضِغْثٌ فَيُمْزَجَانِ، فَهُنَالِكَ يَسْتَوْلِي اَلشَّيْطَانُ عَلَى أَوْلِيَائِهِ وَ يَنْجُو اَلَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَ اَللهِ اَلْحُسْنَى}
من هنا، لو يتأمّل القارئ ومَن يملك البصيرة واستشراف الواقع، لوجدَ مايجري اليوم من فتن وفوضى قد أعاننا على إدراك أبعادها أئمتنا المعصومين"عليهم السلام" الذين وللأسف لم نستفِد من حقيقة اتّباعهم ومُوالاتهم سوى قشور الحبّ والولاء، ولو كنّا أدركنا عمق مايريدون منّا، لَبلَغنا سُبل السعادة والتكامل والاستقرار، ولَأًضيء أمام طلاّب الحقيقة طريق الهداية! كما يقطعها على أهل الغدر والغواية،
أما بعد: فقد دُرِئت الفتنة وأُقصيَ ذوي الضغائن، ألا يجدرُ بنا أخْذ الدرس والعبرة وتوخّي المنزلقات؟!! فالمشوار طويل والدنيا تمطر فتنًا، ومازال الذين يُضمرون العداء في طغيانهم يعمهون، وفي أمرنا يتربصون، ليعلنوا خطّتهم الهادفة إلى تدمير اللّحمة وشقّ الصف الواحد بهدف العودوة بنا إلى حقبةِ طمسِ الهوية والانتماء، وتحريف الحقائق وإعداد السجون والمشانق،
وحرمان الأمّة من إتّباع منهج آل محمد"عليهم السلام"! وما حقبة الثمانينات والتسعينات منكم ببعيد!!
وقد شاهدنا بأمّ العين منذ الليلة الماضية كيف أماطوا اللّثام عن حقيقتهم وهم فرحين باقتتال الاخوة فيما بينهم، ليحوّلوا أهواءهم إلى أمنياتٍ وشعاراتٍ وخطوطٍ في المواقع الاجتماعيّة والسياسيّة، فتنطلق عند ذاك البدع التي تتبنّى أحكامًا لم يشرّعها الله ورسوله، فتأخذ معنى الجدّة في أذهان الناس ويثبتون اركانها! أليس هذا ناقوس تنبيهٍ لكلّ الشعب العراقي بجميع فئآتهِ ومراتبه، كباره وصغاره، نسائه ورجاله؟! ألا ينبغي على الجميع إدراك مخطَّطهم الخبيث رغم فشلهِ وضآلة قدره؟! أفلا يجدر بنا أن لاننسى لطف الله تعالى وعظمة رأفته أن كفانا شرّ مايُثلج صدور المراهنين على انتكاستنا وتدهور أستقرارنا؟! لكن بفضل الله تعالى أنّ أعداءنا لم يفقهوا معنى "أنّ لنا راعيًا وليًّا يُدركنا"حينما تأخذُ الريحُ سفينتا في موج كالجبال، وسرعان مايُغيثنا قبل الغرق في يَمّ الفتنة! وفتنة الدين أشدّ الفتن ضراوة إذ عند شيوعها يهبّ الشيطان بكل قواهُ فينبري لمعاضدة عبيد الدنيا المتظاهرين بالإسلام لمؤازرتهم في إثارة الشبهات وإشعال فتيل الحرب وتزوير الحقائق وتهويل الوقائع!!
وعليه: فإنّ ما ينبغي التذكير به لزيادة الحيطة وتوخي الحذر إزاء الفتن ومثيريها، هي قضية استمرار هذه الفتن، فلم تنقضي إلى حين ظهور صاحب الزمان "عجل الله فرجه"، وحريّ بنا أن نستفيد وننتبه جيدًا لمقتضيات وعواقب مثيرات الفتن ومنشؤها ومن أين تنطلق ومَن ابطالها؟! سواء كانت فتنة تحمل عناوين دينيَّة، أو عناوين سياسيّة أو اجتماعيّة أو شخصية، وكيف يندفع الناس للسير وراءها ثم السقوط في مستنقع نتائجها.
٢-صفر١٤٤٤هج
٣٠-٨ -٢٠٢٢م