خالد الفرطوسي ||
تعمل الشّعوب لتغيير واقعها المعاش إذا توفّرت لها الفرصة لتحقيق إنجازات تقودها لأفضل مما كانت عليه في السّابق.
ولتحقيق هذا التغيير الذي يعتمد على الإرادة الشعبيّة لابد من توفر الحوافز ووجود الأسباب التي تدعو للتغيير، وتصبح بالتالي قناعة لابد من تحقيقها مهما كانت الظروف والنتائج.
يعتبر الدين أحد أهم عوامل التغيير في المجتمعات، ونظرة سريعة لعمليّات التغيير في تاريخ المجتمعات البشريّة سنرى أن عامل الدين من العوامل الرئيسيّة في تكوين الحضارات، ولا شك في أن أثر الدّين الصحيح هو إصلاح القوم الذين خوطبوا به، وانتشالهم من حضيض الانحطاط إلى أوج السموّ، وهنا تبرز أهميّة عمليّة التغيير التي تتم من خلال العمل على تبيان المكاسب الدنيويّة والأخروية عند اعتناق الدّين الجديد.
والسؤال موضوع البحث هو: كيف نجح الرسول محمد (صلّى الله عليه وآله وسلّم) في أن يحقّق خلال ثلاثة وعشرين عاماً ليس فقط التغيير، بل في قلب كل المفاهيم السّائدة في الجزيرة العربيّة من جميع النواحي الدينيّة، السياسيّة، الاجتماعية، والاقتصادية بشكل لم يكن له مثيل في تاريخ البشريّة.
يا ترى ما الذي جعل العرب أصحاب العصبيّة القبليّة والولاء الضيّق يتحوّلون في فترة زمنيّة قصيرة تمتد من هجرته (صلّى اللّه عليه وآله وسلم) إلى المدينة المنورة لإقامة نواة الدولة الإسلاميّة، وحتى وفاته في السنة الحادية عشرة للهجرة، أي خلال أحد عشر عاماً فقط من قوى ضعيفة مشتّتة إلى أبرز قوّة على مستوى العالم القديم؟
سنجد الجواب على ذلك عند ابن خلدون الذي رأى أن للدّين دور مهم في إقامة الدولة إضافة للعصبيّة، حيث قال: ((أنّ العرب لا يحصل لهم الملك إلا بصبغة دينيّة من نبوّة أو ولاية أو أثر عظيم من الدّين على الجملة، يعمل الدّين مع العصبيّة على جمع القلوب، وتأليفها إنّما يكون بمعونةٍ من اللّه في إقامة دينه، قال تعالى: (لو أنفقت ما في الأرض جميعاً ما ألّفت بين قلوبهم)، وسرّه أنّ القلوب إذا تداعت إلى أهواء الباطل والميل إلى الدّنيا حصل التنافس وفشا الخلاف، وإذا انصرفت إلى الحق ورفضت الدنيا والباطل وأقبلت على الله اتّحدت وجهتها فذهب التنافس، وقلّ الخلاف، وحسن التعاون والتعاضد واتسع نطاق الكلمة لذلك فعظمت الدولة)).
وهذا ما يؤكّد عليه أحد المؤرخين بقوله: (كان للإسلام أثر كبير في تغيير قيمة الأشياء والأخلاق في نظر العرب، فارتفعت قيمة أشياء وانخفضت قيمة أخرى، وأصبحت مقوّمات الحياة في نظرهم غيرها بالأمس).
ومن هنا أقول: أننا اليوم بحاجة للعمل بما ذكره ابن خلدون لنخرج من الجاهلية التي نمر بها، فنقضي على أدواتها وأصنامها، ليخبوا دور التافهين الذين صنعتهم أنظمة التفاهة العالمية، لتنحدر القيم الطالحة التي رفعتها أقوام الجاهلية المعاصرة، وتحل بدلاً عنها القيم السامية والقدوات الصالحة التي يمثلها خلفاء الأئمة صلوات ربي وسلامه عليهم أجمعين.