الشيخ الدكتور باسم العابدي ||
الجميع يعرف ان القتل بالسم وسيلة قديمة ابتكرها الانسان للقضاء على اخيه الانسان صالحا كان ام طالحا فهي ليست من ابتكارات المسلمين الذين اعجبوا بمعاوية ونافحوا وكافحوا لتبييض صحائفه السود الا ان هؤلاء المسلمين الذين اتخذوا من معاوية اماما وقدوة يحق لهم ان يفخروا ببعض المناقب لسيدهم معاوية بن ابي سفيان ومنها انه هو من صبّ طريقة القتل بالسم في قالب لفظي وادبي وشرعي فليس لدى معاوية مايفتخر به الا هذه المنقبة , نعم هناك منقبة اخرى يمكن للمسلمين الذين يتخذون من معاوية خليفة لهم وخالا لاولادهم ان يفخروا بها ايضا , وهذه المنقبة هي دعاء الرسول صلى الله عليه واله عليه بقوله: (لا اشبع الله بطنه) ( صحيح مسلم: 4: 2010) فهذا الدعاء من الرسول صلى الله عليه واله يعدّه المسلمون الذين اتخذوا معاوية اماما واسوة منقبة له , يقول الذهبي: (( لعل هذه منقبة لمعاوية)) ( تذكرة الحفاظ:2: 195).
وبالعودة لقاعدة معاوية التي ينبغي للمسلمين الذين اتخذوا من معاوية مرجعية دينية وشرعية واخلاقية ان يفتخروا بها ( ان لله جنودا من عسل), فقد قالها بعد قتله لمالك الاشتر بالسم وهو مما لايمكن انكاره والتمويه عليه فقد تبارت المدونات التاريخية على ذكره وتدوينه يقول ياقوت الحموي: (((ان الأشتر مات بالقلزم في طريقه إلى مصر، وكان عليّ، رضي الله عنه، وجّهه أميرا، فيقال إنّ معاوية دسّ إليه عسلا مسموما فأكله فمات بالقلزم، فقال معاوية: إنّ لله جنودا من عسل)) ( معجم البلدان: 1: 454).
وذكره (( ابن عساكر: تاريخ مدينة دمشق: 56: 389 , إبن كثير: البداية والنهاية:7 : 346 , البخاري في التاريخ الكبير:7: 311)).
الى هنا والامر ليس مثيرا وغريبا ان يصدر من معاوية مثله لكن هناك امرا اخر اكثر اثارة وهو التمهيد لعملية القتل وتهيئة الجو الفكري والنفسي للشعب الشامي لابقائهم في دائرة الجهل والغباء يقول الطبري: ((أقبل مُعَاوِيَة يقول لأهل الشام: إن عَلِيًّا وجه الأَشْتَر إِلَى مصر، فادعوا اللَّه أن يكفيكموه قَالَ: فكانوا كل يوم يدعون اللَّه عَلَى الأَشْتَر)) ( تاريخ الطبري: 5: 96). وبعد ان تم تنفيذ الجريمة وتخلّص من مالك الاشتر بدأ العمل بالصفحة الثانية بالايحاء للشاميين انهم مستجابوا الدعاء وان الله استجاب دعائهم فقتل مالك الاشتر فقال لهم: ((أبشروا فإن الله تعالى قد أجاب دعاءكم وكفاكم الأشتر وأماته، فسروا بذلك واستبشروا به)) ( المفيد: الامالي: ص82).
وهذا يعني ان معاوية خطط ونفذ عمليتي اغتيال:
الاولى: دس السم المادي لمعارضيه الذي استتبعه قتلهم جسديا وماديا ومنهم مالك الاشتر.
الثانية: دس السم الفكري لمناصريه وهذا الذي قتل به ارواحهم واغتال عقولهم وجعلهم سكارى وكانوا كذلك كما انه يرى انهم كذلك حتى نقل عنه استهزاؤه بهم وسخريته منهم وقوله مخاطبا احد انصار امير المؤمنين عليه السلام: ((أبلغ علياً أني أقاتله بمائة ألف ما فيهم من يفرق بين الناقة والجمل)) ( المسعودي: مروج الذهب: 3 : 31).
فالدعاية تؤدي الى الموت الفكري الذي هو اكثر ضراوة وخطرا من الموت الجسدي اذ ان عملية تسميم الافكار تؤدي الى قتل شعوب باكملها وجعلها في سبات دائم وخدر مستمر فلا تعرف مقدراتها ولا تجد الطريق الى سموها ورفعتها وكرامتها يقول غوبلز: ( يمكنك عن طريق الغازات السامة ان تقتل الاف الناس ولكن عنك عن طريق كذبة محبوكة ان تسمم ملايين العقول).
لم يغلق بموت معاوية ملف المواد السامة واستعمالاتها ضد البشر لاسيما الاخيار الذين اوصى بهم الرسول صلى الله عليه واله ونقل القران الكريم وصيته في قوله تعالى: { قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى} (الشورى: 23) , فبعد ان استعمل معاوية سمه الممزوج بعسل الخديعة ضد مالك الاشتر وهو ذراع امير المؤمنين علي بن ابي طالب ووزيره الامين واحتفظ ابناء معاوية واحفاده وابناء عمومته بهذا السلاح ( السم) ليستعمله الوليد وهشام ابنا عبد الملك بن مروان بعد سبعة وخمسين عاما على شهادة مالك الاشتر ضد حفيد امير المؤمنين الامام زين العابدين عليه السلام حيث قتل الامام السجاد مسموما على ايدي خلفاء معاوية.