علاء طه الكعبي ||
كان جرير والفرزدق، من أكبر شعراء الهجاء، والمعركة دائرة بينهم، ولم تنتهي فكل يوم ينزل الفرزدق بيتا من الشعر يهجو فيه الفرزدق، يرد عليه الأخير بنفس الاسلوب ولم ينتهي أحدهم من الاخر، حتى ذاع صيتهما بأنهما أهل هجاء، بينما الاثنان شاعران متمكنان في بقية أنواع الشعر.
ولا يذكر اسم جرير والفرزدق إلا ويرد على الخاطر تلك الأهداف السالفة التي تحققت على أيديهما، بالافتخار بقبائلهما والانتقاص من الآخر، ومدح السلطة الأموية ممثلة في الولاة والخلفاء، واشتهر بينهما نمط من الشعر يسمى بـ”النقائض”، والنقائض لون من ألوان الهجاء، وهو الفن القديم في الشعر العربي الذي يحط من شأن الآخر، ويستصغر مكانته، ويبين مثالبه، ويكشف عيوبه.
واليوم انتقلنا من مرحلة الهجاء الشعري، إلى هجاء التغريدات، والتي لا تغني ولا تسمن من جوع، رد برد، تغريدة بتغريدة، وهي عبارة عن تغريدات تشير إلى التازم النفسي والعاطفي، وازمة الثقة الحاصلة بين الفرقاء السياسين، والتخاصم من اجل الأموال والمصالح.
تكشفت أوراق كثيرة في ظل هذا الهجاء السياسي، وافتضح أمر مدعي الاصلاح، ووصل الأمر إلى خطاب يومي، وهذا مؤشر قوي إلى حجم التأزم والتألم النفسي، الذي يجعل منك غير قادر على تحمله، فتضطر إلى الافصاح عنه من خلال تلك التغريدات التي وصلت الى مستوى متدني من النقد والنعت للخصوم والفرقاء السياسين، حتى بات التابعين للوالي يصفونه باوصاف تصل الى العصمة وربما الامامة أو النيابة عن الأمام، كل ذلك لتحسين صورة الوالي الفاسد الذي يدعي الاصلاح .
أموال تصرف على القنوات المعروفة بتوجهها البعثي، ومدونيين وكتاب وشعراء ومنظمات كلها تهلهل ليل نهار من اجل تحسين صورة الوالي، ولكن الفرزدق لم يرحم جرير بالرد، كشف كل اوراقه حتى بات لا يستطيع الرد، وبالقريب العاجل سيسكت أو يصمت إلى الأبد .
يقولون في المثل، ( من كان بيته من زجاج لا يرمي الناس بالحجر)، حجم الفساد الذي انت فيه تزكم منه الانوف، فكيف تريد اصلاح الناس والاصل فيك فاسدا، وصل الأمر بك أن تنعت خصومك بشتى الاوصاف، حتى اخرجتهم من الدين والمذهب، كذابون، الثالوث المشؤوم، وانت فيهم علي بن يقطين، وبين السلة والذلة، لا ينفعك كثرة المديح لك من البعثية والوهابية، لأنهم يعتاشون على تلك التفرقة وهم بذلك يطلبون ثأر داعش وصدام الملعون. ولكنك احساسك وضميرك تلوث بالاموال فبات لا يفرق بين الخصم والمنافس والعدو.
الاحرى بنا أن نتبع قوله تعالى:
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِنْ قَوْمٍ عَسَى أَنْ يَكُونُوا خَيْرًا مِنْهُمْ وَلَا نِسَاءٌ مِنْ نِسَاءٍ عَسَى أَنْ يَكُنَّ خَيْرًا مِنْهُنَّ وَلَا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ بِئْسَ الِاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمَانِ وَمَنْ لَمْ يَتُبْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ ﴾ [الحجرات: 11].
أكدت الشريعة المقدسة: أن من فعلَ إحدى الثلاث: السُّخْرِية - النبز - اللَّمز، إستحقَّ أسمَ الفسوق أيّاً كان ، وهو غاية النَّقص بعد أن كان كامل الإيمان .
ومجمل القول : أن الله عز وجل قد نهى المؤمنين أن يسخر أحدُهم من الآخر ، وألّا يتنابزوا بالألقاب، ويُفهم من الآية أن السّاخر يكون دائمًا أقل شأنًا ممَّن يَسخر منه، حتى وإن كان الساخر، أرفع شأنًا ممَّن يسخر منه، فقد هبط بسخريتِه وانخفض عنه منزلةً عند الله.
ـــــــــــــ
https://telegram.me/buratha