كوثر العزاوي ||
أنّ من يدّعي علمُ الأشياء ومعرفتها،
بل ويتصدّى لمخاطر الأشغال وهو ليس أهل للتصدّي ولاجدير بالصلاح ، أو كما يدّعي علمُ الرجال والأحوال والأقوال، وهو في الواقع لا يعرف نفسه ولم يهذّبها، فمَثَلهُ مَثل من يُطعم الناس وهو جائع، ويداويهم وهو عليل!! ومن ذلك تبرزُ فئة معاقةً فكريًا فلا يؤتمَن جهلها، فلا بدّ أن يبدأ الإنسان بنفسه فيكون إمامًا لها قبل غيرها ثمّ يُنصّب نفسه إمامًا لغيره! كما أنّ من العقل والواجب أن يكون المعلّم المربّي عاملًا بما عنده من علم ومعرفة إن صحّ ما يدّعي وإلامَ ينتسب،
لأنّ المفارقة بين مايقوله الانسان وبين ما يفعلهُ، محض ازدواجية اعتبرها الاسلام خِداعًا في السلوك الانساني وتلوّنًا، قد ذمّ الله تعالى به بعض عباده المؤمنين موبّخًا لهم وهو القائل"عزوجل":
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ كَبُرَ مَقْتًا عِندَ اللهِ أَن تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ} الصف الآية ٢
وإنّ المتأمّل في ممارسات الناس اليومية في مرحلتنا الراهنة، يستطيع أن يحصر ظاهرة ازدواجية السلوك وعدم موافقة القول مع الفعل بسببين رئيسين:
اولهما- عدم علمه بما يقول، أوعدم اقتناعٍ حقيقي وصادق بما يقوله ويبشّر به ويدعو له، بمعنى انّ لسانه يناقض ما هو مقرّر وراسخ في قلبهِ، وهذه الحالة او الظاهرة إنما تُعدّ من الانفصام السلوكي الذي يؤدي شيئا فشيئا إلى فقدان الإنسانية وبيع الضمير! وهذا ماحذّر منه الاسلام وعَدَّهُ من النفاق بتأكيد قوله تعالى:
{وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ نَافَقُوا ۚ وَقِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا قَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللهِ أَوِ ادْفَعُوا قَالُوا لَوْ نَعْلَمُ قِتَالًا لَّاتَّبَعْنَاكُمْ هُمْ لِلْكُفْرِ يَوْمَئِذٍ أَقْرَبُ مِنْهُمْ لِلْإِيمَانِ يَقُولُونَ بِأَفْوَاهِهِم مَّا لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ وَاللهُ أَعْلَمُ بِمَا يَكْتُمُونَ}
ثانيا- وإما انّه مؤمن بما يقوله ويدعو الناس اليه، لكنّ إرادتَه ضعيفة ولايملك زمام نفسه امام الشهوات وملذات الدنيا، وهمّتهُ متدنّية إن لم تكن معدومة إزاء الأهواء بغياب صوت العقل والضمير فلا يلتزم بما يقول، وقد ينسى ماصرّح به أمس ليناقض فعله اليوم!! وهذا ماحذّر الله تعالى أيضا من مثل هذه النماذج، وأمر بعدم اتّباعِه وطاعته بصريح قوله "عزوجل":
{وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا}
الكهف ٢٨
فمثلِ هؤلاء قد اعتادوا التمجيد وعوّلوا على مديح الناس حدّ الإنتفاخ، ليرى احدهم نفسه توهّمًا شبه إلهٍ أو معصوم من الزلل لينتهي به الأمر إلى عدم القدرة على التوازن مالم يُصِب شيئا من وقود الإطراء وزيت المديح دواءًا لإصابته بداء تورّم الذات! حتى يصل به الحال أن يرى نفسه أميرًا للإصلاح وقائدَ التغيير الأوحد نحو الخير والفلاح وعلى الأمة اتّباعه!! فأيّ بلاء وأيّ داء ذاك الذي يستنزف عافية المجتمع بطاقاته وخيراته وقدراته، وكل عاقلٍ يُقرّ بالخراب والدمار نتيجة التناقضات والتضاربات التي تعصف بالمجتمع!، يقول علماء النفس: إنّ الفعل المخالِف للقول يدلّ على ثبوت هيئةٍ مخالفة في النفس، فالكذب في القول يدلّ على أنّ القول مكيدة ونوع حيلة يحتال بها قائلهُ، وذلك لاجتذاب الناس وإشباع نهَمَ غروره، ثم انتزاع التقدير من الناس عنوة واصطيادهم لغرض صنع جمهورٍ على شاكلة:
{..يَا هَامَانُ ابْنِ لِي صَرْحًا لَّعَلِّي أَبْلُغُ الْأَسْبَابَ}
وما أفق العراق منّا ببعيد، حيث أم الكوارث عندما تلدُ فرعونَ في مجتمعٍ الأعم الأغلب همج رعاع ينعقون مع كل ناعق يؤازرهم عبّاد الدنيا والدولار!!
نعم! قد لانلمسُ تأثيرًا لما حظيَ به أولئك النشاز من زور الصلاح وَوهْم الإصلاح بالمنطق المعنوي، غير أنهم مشروع تعطيل للحياة وإعاقة الوصول الى متطلباتها امام ما ينشد له كل مجتمع يرنو للرقيّ والأمان.
١٩-محرم١٤٤٤هج
١٨-٨-٢٠٢٢م
ــــــــــــــــ
https://telegram.me/buratha