رسول حسن نجم ||
الكل يعلم ان النظام الملكي في العراق لم يأتي من رحم الشعب العراقي ، بل جاءت به بريطانيا العظمى(والعظمة لله) كما يسمونها آنذاك ، أما الآن فهي سائرة بركب الولايات المتحدة ومنظوية تحت رايتها ، كما إن المواد الخام لجلالة الملك إستوردتها بريطانيا من الحجاز وقامت بتعليبها في مصر وأُرسِلت جاهزة للاستهلاك في العراق بمواد حافظة ونكهات انكليزية فاخرة!!
في عام ١٩٥٨ قاد عبد الكريم قاسم إنقلابا عسكريا على الحكم الملكي وأعلن الجمهورية العراقية ، وكان الأجدر به ان يعمل على إجراء انتخابات نيابية كانت أو رئاسية وبسرعة ومن ثَم كتابة دستور دائم للبلاد وعرضه على الشعب للتصويت عليه لإعطائه الشرعية الكاملة. لكن هذا لم يحدث ولم تطرح هذه الفكرة الا في السنة الرابعة من عمر الثورة عام ١٩٦٢ ، وبما إن دوائر الإستكبار الامريكي والبريطاني كانت تراقب الاوضاع العراقية عن كثب (ومازالت) فلم يمهلوه بعد الا أشهراً قليلة حتى جاءوا بحزب البعث بإنقلاب عسكري أيضا وأوصلوه الى سدة الحكم.
ولو كُتِب الدستور الدائم المُصَوت عليه من قِبَل العراقيين لَأُغلِق باب الإنقلابات العسكرية الى الأبد ، ولَكُنّا لم نعاني من الزمر والعصابات القومية العشائرية والطائفية البعثية لغاية عام ٢٠٠٣.
وفي العام ٢٠٠٥ إرتأت الولايات المتحدة المحتلة أن تقوم بكتابة الدستور للعراق وبمايضمن مصالحها في نهب خيراتنا ولكي يبقى العراق بين الحياة والموت كما قالها بوش الاب او الإبن (والتردد مني مع ان كلاهما واحد هلرگعه من هلبابو..) ، وفعلا كان هناك مكتب محاماة أمريكي في واشنطن لصياغة الدستور العراقي ، لكنهم جوبِهوا ب(فيتو) المرجعية العليا ، عندما قال آية الله العظمى السيد علي الحسيني السيستاني دام ظله الوارف للمبعوث الاممي نبيل سلامة ومعه زميله سيرجيو ديميلو (اذا لم يقولوا الامريكان بصريح العبارة بأن الدستور سيكتب بأيادي عراقيين مُنتخبين من الشعب فسأُصدِر فتوى ببطلان هذا الدستور..) ، وتمت الانتخابات الحرة الأولى في العراق من نوعها ومنها إنبثقت لجنة كتابة الدستور كما أرادت المرجعية العليا لا كما أراد الاحتلال الأمريكي! مع العلم إن هناك تحفظات للمرجعية العليا على بعض فقراته وهذه يمكن تعديلها تحت قبة البرلمان ومن ثم تُطرح للإستفتاء الشعبي العام لتكتسب الصفة الشرعية بإعتبار ان الشعب مصدر التشريعات.
إن أي تغيير سياسي خارج الدستور وقبة البرلمان غير شرعي ، وبخصوص الدستور والمرجعية العليا قال السيد جعفر الصدر في مقال نشرته (واع) :(.. حري بنا أن نعود أيضاً وبشكل جدي إلى أصل مشروع بناء الدولة، والتي كتبنا دستورها بمباركة مرجعيتنا الرشيدة، وقبول أغلبية الشعب به عن طريق جمعية منتخبة، وحري بنا أيضاً أن نُجري حواراً جاداً بين أبناء شعبنا حول ما الذي نريده لعراقنا؟ ثم قال : هل كتب الدستور بتضحيات شعبنا ودعوات مرجعيتنا ليكون حبراً على ورق؟ أقول هذا لأنَّ هذه الوثيقة ترسم لنا معالم الدولة: سياسياً، واجتماعياً، واقتصادياً، وأمنياً، والحقوق والواجبات، وتنظيم السلطات..).
فإذا تركنا الدستور والبرلمان المُنتخب وجعلناه خلف ظهورنا فهذا سيفتح باب الإنقلابات على الشرعية على مصراعيه ، ثم من الضامن فيما بعد اذا جِئنا بدستور وبرلمان جديدين أن لايتم الانقلاب عليهما مجدداً وسندور بحلقة مفرغة وسنذهب الى المجهول لاسامح الله ولن يكون هناك إستقرار أبدا ، أضف الى ذلك بأن قوى الاستكبار مازالت تتحين الفرص للانقضاض على العراق الذي مازالت جراحه لم تلتإم بعد وسيعيدونا الى فصول الامم المتحدة التي تضع العراق تحت الوصاية مجدداً ولات حين مندم.
المرجعية العليا اليوم تنظر الى الاحداث وماورائها بدقة متناهية، واذا ماقرر احد الاطراف السياسية او اكثر من طرف الى إلغاء الدستور بخطوات عملية ، عند ذلك تقول المرجعية كلمة الفصل.