الشيخ الدكتور باسم العابدي ||
هل يجوز ان تبكي السماء على سيد الشهداء؟
يتساءل بعض الناس ممن ليس لهم اطلاع على نصوص القران الكريم و الروايات الشريفة وليس لهم دراية بدلالة هذه النصوص عن مدى صحة ادعاء الشيعة بان السماء بكت على سيد الشهداء عليه السلام يوم عاشوراء وهل ان هذه الروايات والاخبار تدل على الوقوع الحقيقي ام على التمثيل والتشبيه والتقريب؟.
لقد تظافرت الروايات لدى العامة والخاصة عن بكاء الانبياء والملائكة والناس والحيتان والطيور وعن بكاء السماء والكواكب والارض والجبال والبحار على مقتل سيد الشهداء ولكن هل جاء في القران الكريم مايعزز هذه الروايات ويعضّد صحتها؟
قراءة بعض النصوص القرانية وتحليلها ومراجعة اقوال المفسرين فيها يساعد على قبول هذه الفرضية وامكان وقوع البكاء من الموجودات جميعها على نحو الحقيقة وليس على نحو التمثيل.
في الاية 44 من سورة الدخان تحدث القران الكريم عن مسالة بكاء السماء والارض فقال تعالى: {فَمَا بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّمَاءُ وَالْأَرْضُ وَمَا كَانُوا مُنْظَرِينَ } (الدخان:29) الا ان الاية جاءت في سياق نفي بكاء السماء والارض لاجل فرعون وقومه كما يظهر من الايات السابقة لهذه الاية , وماذكره المفسرون في مصداقها.
ولكن على الرغم من مجيء الاية في منع البكاء على فرعون وقومه الا اننا عند التامل فيها سوف تظهر امور:
الاول: مفهوم الاية يدل على عظمة المؤمن وقدره عند الله تعالى وان الموجودات كلها تبكيه بما فيها الجمادات كالسماء والارض لذلك جاء تبكيت فرعون وحرمانه هو وقومه من هذه الجهة.
الثاني: خصت الاية السماء والارض بالذكر وذلك بسبب عظمة السماء والارض او لان السماء والارض لايتصور فيهما البكاء والحزن من جهة كون البكاء خاصية للنفس الانسانية وليست خاصية للجمادات فجاء التوصيف منسجما مع عظمة الامر .
الثالث: ان الحزن والبكاء لموت المؤمن يتفاعل كونيا ولاينحصر بالموجودات العاقلة فقط وانما يتعداه الى الجمادات.
الرابع. ان الوجودات كلها ومنها اعلاها مقاما واعظمها وجودا تبكي الانسان المؤمن بخلاف الظالم الذي يحرم من هذه الكرامة.
وفي العودة الى المفسرين نجد انهم لم يختلفوا في دلالة الاية اختلافا كبيرا وانهم استعانوا بالروايات في تفسيرها وماذهبوا اليه من اقوال يمكن تلخيصه بما ياتي:
1. ذهب جمهور المفسرين الى ان بكاء السماء والارض المذكور في الاية كان على سبيل الحقيقة وليس على نحو الكناية والتمثيل والتخييل والمجاز والاستعارة , قَالَ الشوكاني : ((قال مُجَاهِدٌ:إِنَّ السَّمَاءَ وَالْأَرْضَ تَبْكِيَانِ عَلَى الْمُؤْمِنِ أَرْبَعِينَ صَبَاحًا)) (فتح القدير: 4: 659). وقال النيسابوري: ((وجوز كثير من المفسرين أن يكون البكاء حقيقة وجعلوا الخسوف والكسوف والحمرة التي تحدث في السماء وهبوب الرياح العاصفة من ذلك)) (غرائب القرآن ورغائب الفرقان: 6: 105).
2.ذهب بعض المفسرين الى حذف المضاف في الكلام والتقدير اهل السماء واهل الارض, قال السمرقندي: (( ويعني: أهل السماء، وأهل الأرض. فأقام السماء والأرض مقام أهلها. كما قال: وَسْئَلِ الْقَرْيَةَ)) (تفسير السمرقندي:3: 271).
وهذا المعنى يدخل في باب البكاء الحقيقي ايضا ولايختلف قائلوه عن جمهور المفسرين في كون البكاء حقيقة وليس مجازا بيد انه ينسب البكاء الى مايضاف الى السماء والارض وهم الناس او الملائكة وليس الى الجمادات وهي الارض والسماء نفسهما.
3. مايؤيد حصول البكاء حقيقة تظافر الروايات ببكاء السماء على المؤمن عامة والامام الحسين خاصة واكتفي هنا بذكر مااورده القرطبي في تفسيره من روايات عن وسبب اختيار القرطبي كونه اكثر المفسرين تشددا ضد الشيعة فقد جاء في تفسيره الجامع لاحكام القران ماياتي:
((ذَكَرَ أَبُو نُعَيْمٍ مُحَمَّدُ بْنُ مَعْمَرٍ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو شُعَيْبٍ الْحَرَّانِيُّ قَالَ حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ حَدَّثَنَا الْأَوْزَاعِيُّ قَالَ حَدَّثَنِي عَطَاءٌ الْخُرَاسَانِيُّ قَالَ: مَا مِنْ عَبْدٍ يَسْجُدُ لِلَّهِ سَجْدَةً فِي بُقْعَةٍ مِنْ بِقَاعِ الْأَرْضِ إِلَّا شَهِدَتْ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَبَكَتْ عَلَيْهِ يَوْمَ يَمُوتُ. وَقِيلَ: بُكَاؤُهُمَا حُمْرَةُ أَطْرَافِهِمَا، قَالَهُ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ- رَضِيَ اللَّهُ عنه- وعطاء والسدي والترمذي محمد بن عَلِيٍّ وَحَكَاهُ عَنِ الْحَسَنِ. قَالَ السُّدِّيُّ: لَمَّا قُتِلَ الْحُسَيْنُ بْنُ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا بَكَتْ عَلَيْهِ السَّمَاءُ، وَبُكَاؤُهَا حُمْرَتُهَا. وَحَكَى جَرِيرٌ عَنْ يَزِيدِ بْنِ أَبِي زِيَادٍ قَالَ: لَمَّا قتل الحسين بن علي ابن أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا احْمَرَّ لَهُ آفَاقُ السَّمَاءِ أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ. قَالَ يَزِيدُ: وَاحْمِرَارُهَا بُكَاؤُهَا. وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ سِيرِينَ: أَخْبَرُونَا أَنَّ الْحُمْرَةَ الَّتِي تَكُونُ مَعَ الشَّفَقِ لَمْ تَكُنْ حَتَّى قُتِلَ الْحُسَيْنُ بْنُ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا. وَقَالَ سُلَيْمَانُ الْقَاضِي: مُطِرْنَا دَمًا يَوْمَ قُتِلَ الْحُسَيْنُ, عَنْ قُرَّةَ بْنِ خَالِدٍ قَالَ: مَا بَكَتِ السَّمَاءُ عَلَى أَحَدٍ إِلَّا عَلَى يَحْيَى بن زكرياء وَالْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيٍّ، وَحُمْرَتُهَا بُكَاؤُهَا. وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ التِّرْمِذِيُّ: الْبُكَاءُ إِدْرَارُ الشَّيْءِ فَإِذَا أَدَرَّتِ الْعَيْنُ بِمَائِهَا قِيلَ بَكَتْ، وَإِذَا أَدَرَّتِ السَّمَاءُ بِحُمْرَتِهَا قِيلَ بَكَتْ، وَإِذَا أَدَرَّتِ الْأَرْضُ بِغَبَرَتِهَا قِيلَ بَكَتْ.)) ( تفسير القرطبي: 16: 141).
اللافت ان ابن كثير بعد ان ياتي باكثر من رواية عن ابن عباس ومجاهد وسعيد بن جبير وعطاء وغيرهم في بكاء السماء على الحسين الا انه حين يذكر مارواه الشيعة في هذا المعنى يقول: ((وذكروا أيضا في مقتل الحسين رضي الله عنه أَنَّهُ مَا قُلِبَ حَجَرٌ يَوْمَئِذٍ إِلَّا وُجِدَ تَحْتَهُ دَمٌ عَبِيطٌ، وَأَنَّهُ كَسَفَتِ الشَّمْسُ وَاحْمَرَّ الأفق وسقطت حجارة، وفي كل ذَلِكَ نَظَرٌ، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ مِنْ سَخَفِ الشِّيعَةِ وَكَذِبِهِمْ لِيُعَظِّمُوا الْأَمْرَ وَلَا شَكَّ أَنَّهُ عَظِيمٌ)) (تفسير ابن كثير:7: 234).
فاذا كان امر قتل الامام الحسين عليه السلام عظيما كما يعترف ابن كثير فلماذا يؤاخذ الشيعة على تعظيمهم لمقتله ولماذا يستكثر بكاء المخلوقات عليه؟ انها شنشنة نعرفها من اخزم.
بعد هذا العرض التفسيري والروائي وبعد ظهور امكان بكاء السماء والارض على المؤمنين مما يجوز بالاولوية على سيد الشهداء ابي عبد الله الحسين عليه السلام لما خصّه الله من كرامة فطهّره من الرجس على لسان الايات القرانية المباركة ومنها: قوله تعالى: { إِنَّما يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً } الاحزاب:33) وعلى لسان النبي الاكرم في قوله صلى الله عليه واله في اقوال كثيرة منها: ((حسين مني وانا من حسين)).
https://telegram.me/buratha