د.أمل الأسدي ||
للحديث عن هذا الموضوع،اخترت أن أبدأ بآية قرآنية،فكل القراءات تبقی ناقصة ومعرضة للأخذ والرد باستثناء القراءة القرآنية، فهي تختلف عن غيرها كالقراءة التأريخية التي يُعتمد عليها كثيرا في موضوعات عاشوراء والنهضة الحسينية وغيرها من الموضوعات، فقد قال تعالی:((يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَىٰ وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا ۚ إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ)) (١)
إذن، القاعدة الرئيسة للخلق تقوم علی عنصرين وهما: (الذكر والأنثی) ومن هذه القاعدة تفرعت الحياة لتكون شعوبا وقبائل متفاعلة متعارفة،ومن هنا كان الفارق بين الناس قائما علی التقوی فقط!! ولم يكن قائما علی الجنس أو العرق أو أي معيار مصطنعٍ وضعيٍّ.
أما عن عاشوراء الحسين(ع) فكان انطلاقة جديدة للمرأة المسلمة، كي تكون شريكةً في قضايا الأمة الرئيسة والخطيرة، فقد كانت السيدة زينب(ع) شريكة الإمام الحسين في نهضته الخالدة، وقد لُقبت بذلك(٢)
ولم يكن هذا الدور العظيم وليد الصدفة أو وليد الاضطرارية الآنية، فهو نتاج تمكين سابق،وقدرةسابقة، ودور عظيم سابق، هو نتاج موقف الزهراء(ع) في المدافعة عن دينها وعن إمام زمانها،وإدارتها لدفة الحياة من بعد رحيل أمها(ع)علی الرغم من صغر سنها، ودور الزهراء(ع) نابع من دور سابق، وإعداد سابق، وهو دور السيدة خديجة(ع) التي حفظ رسول الله لها موقفها ودورها حين قال:.(صلی الله عليه وآله):(ما قام ولا استقام ديني إلا بشيئين: مالُ خديجة وسيف علي بن أبي طالب) (٣)
إذن مكّن الإسلام، ومكنت قياداته الإلهية المرأة من أداء دورها في أهم المناطق التأريخية المفصلية التي تعيشها الأمة، سواء كان ذلك في مرحلة التأسيس والإعداد لهذه الأمة،أو في مرحلة الشيوع والتثبيت ومواجهة المهددات!!
أما عن المرأة العراقية وعاشوراء الحسين(ع) فلها صولات وجولات ولاسيما ونحن نتحدث عن دورها خلال خمسة عقود علی الأقل،فقد مر العراق بمرحلة من الظلم والظلام والجبروت والملاحقة والجوع والحرمان خلال فترة حكم البـ.عث ومنظومته القمعية الإقصائية التي انتهكت حقوق الإنسان ولم يسلم منها لاطفل صغير ولا امرأة، وهذا الحكم هو امتداد وصورة حية لبني أمية ويزيد وجلاوزته، وكان للمرأة الدور الكبير في المواجهة والمجابهة والصبر والتأسي بالسيدة زينب (ع) ومن هذه الفترة حتی سقوط الطاغـ.ية ستظهر المرأة العراقية وفق نمطين أو صفتين: الأولی: نساء الفطرة الربانية، اللواتي لم ينلن الفرصة في التعليم وارتياد المدارس والجامعات، وفي أحسن الحالات دخولهن الكتاتيب وتلقي الدرس القرآني من (الملاية).
الثانية: النساء المتعلمات، اللواتي تمكن من اكتساب العلم وحصلن علی شهادة أولية أوعليا أو أقل من ذلك،
فالنمط الأول قدر برز دورهن في إعداد أجيال حسينية صابرة، تقاوم وتجابه ولاتستسلم، فكن بمثابة مصدر إنتاج فطري المحبة، ينتج الأبطال الكبار،فكانت الأم تحمل وتلد وتربي وتتعب من دون ملل،وتغذي أبناءها المحبة الحسينية،والتضحية العباسية، والصبر الزينبي،حتی اذا استوی ابنها رجلاً هماما قادرا، لاحقه النظام البـ عثي علی هويته الحسينية ونزع أنفاسه وحرمه الحياة، ولايبقی أمام هذه الأم إلا أن تتحزم بحزام زينب وتصبر وتواصل ولاتتخلی عن هويتها ولاتخلو مخيلتنا من صورة الأم المذهولة، وهي تجمع الكراريس والكتب وتسجر تنورها لحرقها، خوفا من المباغتات البـ عثية، تسجر التنور ودموعها مسجورة أيضا، تبكي وتنادي: احضرنا يا اخو زينب!!
تبكي وتحرق الحسرات وتنادي: ياداحي الباب يالبشدات مندوب ياعلي!
⭕️ أما النساء الزينبيات المتعلمات، فقد فتك بهن البعث وزجهن في السجون، وروعهن وعذبهن أيما تعذيب، وقد وصل عددهن الی (٣٠٠٠) امرأة عراقية،هذا العدد ممن عُثر علی وثقائهن وتم تسجيل أسمائهن وإلا فما خفي كان أعظم!! وقد ذقن أقسی أنواع الظلم والتعذيب، وشهدت السماء علی لوعتهن وصبرهن وتحملهن، وجزعت سجون الأمن العامة والرضوانية وأبي غريب من عذابهن، ولم يكن لأجسادهن الضعيفة الرقيقة إلا أن تسلم أمرها لإرادة أرواحهن الزينبية القوية،تلك الروح التي لاتعرف الهزيمة والانكسار،أو الخضوع والخنوع، أو التنازل عن الثوابت الإسلامية(٤) فكانت بغداد ولاسيما الكاظمية والكرادة منجما للنخب النسوية الزينبية الصابرة المجاهدة (طبيبات ومهندسات ومدرسات...الخ) هذا فضلا عن سائر محافظات العراق التي تذوب في معرفة الحسين ومحبته كالشهيدة المجاهدة بنت الهدی والشهيدة سلوی البحراني،والشهيدة حياة كاظم الحسني، والدكتورة ساجدة حميد العقابي، والقيادية الشيوعية الشهيدة المستبصرة إكرام محمد علي الحسني،والشهيدة الدكتورة شكرية عبد الحميد الأسدي، والشهيدة الدكتورة عالية حسين محمد الحمداني والشهيدة ميسون غازي الأسدي...الخ)(٥)
فقد جعل العراقياتُ السيدة زينب،عابدة آل علي، منهاجا لهن وقدوة، وخارطة طريق دينوية وأخروية، فهنيئا لهن هذا المقام وهنيئا لهن هذا الثبات الزينبي.
⭕️ أما علی صعيد الشعائر الحسينية والطقوس الاجتماعية المرتبطة بها،فهذا أمر لايخص فئة دون أخری، هذا أمر تجده حاضرا في كل منازلنا، في المدينة وفي الريف، في القری والحواضر، في الدرابين وفي الشوارع العريضة، الكل يستقبل شهر المحرم الحرام بحزن وأسی، والكل له برنامجه لإحياء هذه الليالي، ولكن كانت البرامج سرية، خافتة،وشديدة البساطة، وعلی الرغم من بساطتها كانت مهدِّدة،وكانت خطيرة، وتكلِّف المرأة والأسرة ثمنا باهظا، تكلفهم الحياة والأنفاس، ومع ذلك لم تتركها المرأة، تلبس الأسود وتبكي الحسين، وتندب العباس، وتبكي مع زينب ورملة علی القاسم، وتبكي مع الرباب علی الرضيع، وتطهو الطعام وتوزعه محبةً، وحتی إذا كان البيت مراقَبا من البـ.عثية ، تطهو قدرا صغيرا للأسرة وتقول:(حتی لانگطع عادتنا، حتی لانگطع ذكر الحسين).وبين الخوف وشدة الملاحقة وبين فتورها أحيانا، لابد أن تحيي العراقية أيام عاشوراء وتقيم المجالس، فتأتي(الملاية) وتقرأ قصة المقتل بحسب الليالي، ويستذكر الجميع مصيبة آل محمد ، ويتعلم الجميع منها الصبر والثبات والتحدي!!
ومن أبرز مأكولات مطبخ عاشوراء العراقي"التمن والقيمة(نجفية وكظماوية)، الهريسة، البرياني واللحم، الزردة،چاي العباس،آش، شربت القاسم،خبز العباس، الحليب الساخن(حليب عبد الله الرضيع)"
ومن أبرز الأيام التي تحبها النسوة، ويستهويها الحضور والمشاركة هو يوم القاسم،لما فيه من طقوس خاصة( صينية القاسم)التي تضم الشموع والحلوی وماء الورد، وكذلك تشابيه عروس القاسم (الفتاة التي يُغطی رأسها بالقماش الأخصر (الستان)، فهذه أضحت عادات وتقاليد وطقوس شعبية لدی العراقيين، وستلاحظ حين تدخل المتحف البغدادي وجود ركنٍ خاص بها تحت عنوان" صينية القاسم"
ــــــــــــــــــــــ
١- سورة الحجرات،الآية:١٣
٢-نورالدين الجزائري، الخصائص الزينبية:٥٢، ٥٣
٣- حلية الأبرار،هاشم البحراني:١/ ١٤٧
٤- ينظر: مذكرات سجينة، فاطمة العراقي،علي العراقي: ٧-٩
٥- للمراجعة ولمزيد من المعلومات، ينظر : شهيدات العراق من ضحايا النظام البائد، الصادر عن مؤسسة الشهداء،٢٠١١، مصدر يضم أسماء ألف شهيدة عراقية أعدمها النظام البائد، أو مراجعة صفحة مذكرات سجينة، للكاتب المؤلف علي العراقي،عبر هذا الرابط
https://www.facebook.com/profile.php?
id=100051301867046