خالد جاسم الفرطوسي ||
ليس كافياً أن تتمنى أو ترسم أو تكتب لنفسك أهدافاً، إنما يجب أن تسعى لتحقيقها، فمن لا يتقدم يتقادم ويهوى ويضل، فالتغيير ضروري وحتمي لكل إنسان، ذلك أنه شئنا أم أبينا فأن كل واحد منا سيجد نفسه قد دخل في مجموعة عمليات من التغيير، من حيث يشعر أو لا يشعر، حيث أن الإنسان يعيش في بُعدين هما: (البُعد الفردي، البُعد الاجتماعي). أي أن كل واحد منّا لا يعيش في أطار ذاته فقط، بل هو جزء من منظومة إنسانية كبيرة، وهذا ما تحدّث عنه القران الكريم بقوله: (وخلقناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا..). من هنا كان لزاماً علينا من قيادة وإدارة ذواتنا في الاتجاه الصحيح، مع التأكيد على أن ذلك لا يكون (بناء الذات) إلا ضمن المعايير العلمية الصحيحة، وحينها نتمكّن من السيطرة على الذات وإدارتها، وبالتالي تأتي الفائدة لتنصب في دائرة المجتمع، لأننا اليوم بحاجة إلى إنسان واعٍ يدرك تكليفه ومسؤوليته.
فتغيير الذات له مجموعة ارتباطات بالبيئة والمجتمع المحيطين بكل إنسان، وهذا ما يجعل ضرورة التعرف عليه من قبل كل من يريد النجاح أو الفلاح، فبدون معرفته وكيفية إدارته لن نتمكّن من تحصيله.
يمكن القول بأن مفهوم عملية تغيير الذات المقصودة هنا: كافة محاولات التحسين والارتقاء بمهارات وخصائص الشخصية، من خلال الانفتاح على الخبرات الحياتية المختلفة في محاولة لتعديل السلوك.
أو أنه: عملية تحوّل من واقع نحن نعيش فيه إلى حالة منشودة نرغب فيها.
ولا يخفى على الجميع أن صناعة التغيير علم له قواعده وأسسه ومبادئه التي يجب أن يعرفها كل من يبحث عن التغيير على الصعيد الفردي والاجتماعي وعلى الصعيد المهني والمؤسساتي.
فلابد لكل من يطلب النجاح وتحقيق الطموحات أن يكون على دراية بمفاهيم علم التغيير، ليتمكن من الانطلاق نحو القمّة، وهو يدرك ما له وما عليه، وهذا ما سنعمل عليه في هذه السلسلة التي هي جزء من كتابنا الموسوم: (منهجية التغيير وبناء الذات برؤية إسلامية).
بدايةً لا أريد أن يشغلك اليأس، فتملأ طريقك أشواكاً، وتوهم نفسك بصعوبات ليست بالمستحيلة، من قبيل كبر السن، وضنك المعاش، وصعوبة الحياة، وقلة الوقت، فكل ذلك أشواك يمكن إزالتها بالعزيمة والإصرار وصدق النية والتوكل الصادق والمنقطع إلى الباري (جلَّ وعلا)، فلا تنسى أنه توجد بداخلك كل قوّة العالم، وبتعبير بسيط: إننا من نعتقد أننا نحن، وهكذا فإن لدينا القدرة على التغيير في أي لحظة، وتذّكر أن المسؤولية ثمن المنجزات العظيمة، ولا يفوتك فتنسى أن نوجد يعني أن نتغير، وأن نتغير يعني أن ننمو، وأن ينمو المرء هو أن يعيد تكوين ذاته لما لا نهاية.. فما الذي سيفيد الإنسان، لو ربح العالم وخسر نفسه.
لا أريدك أن يفوتك أنه يمكنك أن تصبح أي شيء تصبو إليه، لأن العالم يوجد عبر قوّة الاعتقاد والإيمان، فما من شيء ثابت، أو حد واضح أمام الكائن الإنساني بمشيئة الباري تعالى، والشخص الذي يمضي أبعد ممن سواه هو عموماً المستعد للإقدام والمغامرة.
عندما تنمو في الوعي وترى ضرورة ما تقدّم ذكره، وتبدأ في رؤية العالم المثير المحيط بك بطرق مختلفة وجديدة، ستشرع في الحصول على رؤية أوسع لنفسك، ولما تعتقد أن بوسعك إنجازه في حياتك.
وعندما تصبح مسيطراً على عالمك الداخلي، ستصبح مسيطراً على عالمك الخارجي.
وعليه ينبغي أن تغادر مدينة راحتك ورفاهيتك، وأن تمضي إلى غابة الحدس والبصيرة، فما أروع ما سوف تكتشفه هناك، لأنّ ما ستكشفه هو ذاتك.
تذكر أن الحياة ما هي إلا فرصة فلا تضيعها، ولا تنسى أنك إذا فشلت في التخطيط، فقد خططت للفشل.
واعلم أن موضوع تغيير وبناء الذات لا يختص بفئة معينة دون أخرى، فقد تكون مهندساً، أو أستاذاً، أو دكتوراً، وقد تكون من حملة الشهادات الابتدائية، وممكن أن تكون ممن لا يقرأ ولا يكتب، ولكن يمكنك أن تخطو بما سنمليه عليك في الحلقات المقبلة ومتابعة موضوعاتها، فموضوعنا هذا لكل إنسان يود أن يضع لحياته معنىً، وأن يشكل رقماً في الحياة.