إيمان عبدالرحمن الدشتي ||
قضية تختلف عن كل القضايا وثورة تختلف عن كل الثورات، تتجدد في كل عام بكامل تفاصيلها وكأنها لازالت قائمة، فهي مدرسة للأحرار، ولوعة للقلوب لعظم المصيبة التي ألمَّت بآل المصطفى صلى الله عليه وآله، تلك هي ثورة الإمام الحسين عليه السلام في كربلاء.
تستمر مبادئ تلك الثورة حاضرة في كل حين وفي كل ارض، كونها العِبرة التي ارادها الله تعالى وارادها سيد الشهداء علیه السلام لتكون المنهاج الاصوب والاصلح للأحرار لرفض الظلم والاستبداد، والوقوف بوجه الظالم الذي يريد التسيد على المجتمع وهو المستبيح لكل الحرمات التي يرفضها الدين والعقل.
جانب العَبرة والعاطفة منها هو أمر نحتاج الوقوف عنده وتسليط الضوء عليه، فلو أن كل البشر (وبالخصوص في هذا الزمن الذي يشهد تطورا غير مسبوق بالمجال التكنولوجي بعد أن أصبح العالم كقرية صغيرة) تجردوا من كل انتماءاتهم القومية والحزبية والفكرية، ولم تؤثر فيهم فتن الأهواء، واستحضروا شعورهم العاطفي والإنساني "فقط" وتابعوا ممارستين إعتاد المؤمنون على اقامتهما في يوم العاشر من المحرم من كل عام، لعرفوا الحسين حق معرفته ولما مالوا الى غيره، ولأسكنوه افئدتهم، ولاتخذوا مبادئه دستورا لحياتهم.
الممارسة الأولى هي قراءة المقتل الذي اعتدنا الإستماع اليه في كل عام من الحرم المطهر للإمام الحسين عليه السلام، والذي يصور واقعة كربلاء بتجرد من اي انحياز، لان معظم صوره اوصلوها لنا ارباب المقاتل الذين كانوا لا للحسين عليه السلام ولا عليه، بالرغم من أنهم مقصرون وعاصون "من سمع واعيتنا ولم ينصرنا اكبه الله على منخره في النار" كما قال الإمام عليه السلام، فالمقتل يصور الإسلام المحمدي الاصيل الذي تمثل بجبهة ابي عبدالله الحسين عليه السلام ومعالم التضحية والإيثار والفداء التي ابداها كل شخص من شخوصها، الرجل الكبير والشاب والطفل الصغير، والرجل والمرأة، والاقربون والأصحاب، حيث كل منهم ترك بصمة للتاريخ وكتب سطورا في هذه الملحمة الإنسانية الرسالية.
يصور المقتل بالمقابل الغدر والخسة والغلظة التي كانت عليها الجبهة الاخرى المتمثلة بالسلطة الأموية الحاكمة اللاشرعية، التي اسرجت والجمت وتنقبت لقتال سبط نبي الأمة صلى الله عليه واله.
الممارسة الأخرى هي إقامة مراسيم ليلة الوحشة التي تستعرض بمشهد تمثيلي يقرح القلوب مظلومية فخر المخدرات مولاتنا زينب عليها السلام وعيال الحسين من النساء والاطفال الذين امسوا أسارى يحدو بهم اعدائهم القتلة بكل وحشية وبلا رحمة بعد ان نامت عين سبط الرسول الإمام الحسين وعين الكفيل أبي الفضل وعيون اقمار بني هاشم عليهم السلام، وليس بينهم من الرجال إلا الإمام السجاد عليه السلام الذي كان عليلا في حينها، وحالت الأحوال وهالت الأهوال وغدوا يكابدون ألهم والغم والأحزان بفقد الأحبة وشماتة الأعداء وقسوتهم، أفلا تكفي هاتان الممارستان من إيصال مظلومیة أهل البيت عليهم السلام واحقية قضيتهم في مواجهة الظالمين لكل العالم؟!
تبقى ثورة كربلاء مشعلا للثوار و الأحرار، وصرخة تُسمع العالم أنَّة المظلوم فتلهب القلوب البصيرة، اللهم إن كنت حبست عن مولانا النصر فاجعله لما هو خير له من ذلك، واجعل ما حل به ذخيرة له في الآجل، حين تنتقم له من الظالمين على يد حفيده إمامنا المهدي عجل اللهم فرجه (الذي يندبه صباحا ومساء ويبكيه بدل الدموع دما) ففي ذلك شفاء لصدر الحسين عليه السلام.
ــــــــــــــــــ
https://telegram.me/buratha