عبد الرحمن المالكي ||
ربما يكون من البديهي القول إن الاستثمار في الإنسان هو أساس التقدم، إذ لا يتصور أن يكون هناك نهوض أو تطور لأي دولة أو مجتمع، من دون كوادر بشرية قادرة ومؤهلة في مختلف المجالات، ومن هنا فقد أعطت الدول المتقدمة أولوية قصوى للإنسان، ليس فيما يتعلق بجانب الحرية فقط، وإنما كذلك، والأكثر أهمية، فيما يتعلق بتأهيله وتمكينه من كل العلوم والمعارف والمهارات، التي تجعله لبنة أساسية في تطوير دولته، وعنصراً فاعلاً في بناء حضارته وتحقيق طموحات أمته.
لقد اهتمَّت الدولة المتقدمة منذ نشأتها بالإنسان، وقد كانت رؤيتها واضحة في هذا الشأن، حيث ان الرجال هي التي تبني المصانع وكذلك الثروة الحقيقية هي ثروة الرجال، وخير تعبير عن تلك الرؤية الملهمة، التي كان لها أكبر الأثر في الاهتمام الذي توليه الدولة لموضوع تأهيل الكوادر البشرية، وجعله أولوية دائماً وأبداً، بل أصبح الاستثمار في الإنسان هو عنوان مرحلة.
الإنسان هنا ليس مستهدفاً بعملية التنمية فقط، وإنما هو في الحقيقة الأساس في صناعتها، ولهذا تركِّز الدول المتقدمة، منذ نشأتها، على رفع مستوى المعيشة للأفراد بشكل مطَّرد، وتوفير سبل الراحة والرفاهية للمواطنين والمقيمين على حد سواء.
وفي الوقت ذاته تعمل الدولة، على كل المستويات، من أجل تطوير الكوادر البشرية وفقاً للأسس العلمية السليمة، والاهتمام المبكر بالتعليم، فتوفر المدارس والمعاهد والجامعات، وتتيح الفرص أمام كثير من المواطنين لاستكمال دراساتهم في أرقى الجامعات العالمية وأعرقها، من منطلق إيمانها العميق بدور العلم في تحقيق التنمية الشاملة، وفتح مجالات الرقي والتقدم على مختلف الصُّعُد.
واستقطاب أفضل الكفاءات والخبرات العالمية من أجل تحقيق هذا الهدف، و التوسع في هذا المجال بشكل كبير، فيجب اقامة المبادرات والبرامج التدريبية التي تعتبر عنصراً أساسياً في عمل مختلف القطاعات والمؤسسات والجهات الحكومية وغير الحكومية.
في الوقت ذاته يجب الاستفادة من كل الطاقات، والعمل عبر استراتيجيات مختلفة على تمكين شرائح المجتمع كافة من دون استثناء، و التركيز على الفئات التي ربما لم تشارك بشكل كبير في عملية التنمية، وخاصة الشباب الذين يحظون برعاية مباشرة من قبل الدولة، وهناك برامج كثيرة من أجل تأهيلهم والاستفادة من طاقاتهم الخلاقة، ويتم ذلك بواسطة وزارة الشباب والرياضة فهي الجهة المعنية بهم.
اما بالنسبة إلى المرأة وتمكينها، فلها دور كبير في الكثير من المجالات المهمة، حتى أصبحت، في سابقة على مستوى المنطقة والعالم العربي, على جميع الاصعدة والمستويات.
أما أصحاب الهمم، فيجب ان يحظون، برعاية خاصة وربما فريدة فقط، ويجب ان يكون هنالك اهتماماً كبيراً بتمكين هذه الفئة إلى أقصى حد ممكن أيضاً، ويجب على الدولة في هذا المجال اعداد نموذجاً يحتذى به بالفعل.
ان أهمية الاستثمار في الموارد البشرية امراً مهماَ وان
الاستثمار في الكوادر المواطنة وتأهيلها من أعمال الترف، ولكنه في الواقع ينطوي على قدر كبير من الأهمية لأي دولة تريد أن تكون في مصاف الدول المتقدمة، أو أن تكون نموذجاً في التنمية كما هي حال في الدول المتقدمة، وذلك لاعتبارات عدَّة من بينها:
أولاً، أن إيجاد كوادر مواطنة مؤهلة علمياً ومتخصصة بالمجالات المختلفة بات ضرورة تنموية ملحَّة، تنسجم وتتواكب مع حركة النهضة غير المسبوقة التي تشهدها الدول في المجالات كافة، والتي تتطلَّب كوادر مواطنة متمكنة وقادرة على التعامل مع التحديات والتطورات المتسارعة التي يشهدها عالم اليوم، خاصة في مجال التكنولوجيا وثورة المعلومات، والاستفادة منها في عملية التنمية المستدامة التي تنشدها الدولة، في خدمة المجتمع في نواحي الحياة كلها.
ثانياً، أن تتوجه الدولة نحو اقتصاد المعرفة، الذي يعتمد بشكل أساسي على المجالات الحيوية الجديدة كالطاقة النووية والمتجددة، وعلوم الفضاء، وغيرها من العلوم والمعارف التي تشهد تطوراً لافتاً للنظر، يتطلب بالتأكيد وجود كوادر مواطنة متخصصة بهذه المجالات، حتى تتمكن من مواكبة التطورات المستقبلية لعملية التنمية المستدامة والشاملة التي تعيشها الدولة, وهنا تجدر الإشارة إلى نموذج جامعة محمد بن زايد للذكاء الاصطناعي كأول جامعة من نوعها في العالم، التي تؤكد حرص الدولة على تطوير التعليم لمواكبة عصر الذكاء الاصطناعي.
ثالثاً، أن تأهيل الكوادر المواطنة، وتمكينها من العلوم والمعارف المختلفة، وتسليحها بالمهارات الحديثة في مختلف المجالات، تخدم بشكل أساسي سياسة التوطين، التي أصبح العمل على إنجاحها يشكل أولوية لدى مختلف الجهات في الدولة، ولا شك أن وجود كوادر مواطنة تملك مهارات سوق العمل في مختلف المجالات والتخصصات من شأنه أن يحقق أهداف هذه السياسة عبر رفد مؤسسات الدولة المختلفة بالعناصر المواطنة القادرة، ليس على إدارتها وتسييرها بفاعلية وكفاءة فقط، وإنما تطويرها والارتقاء بخدماتها والمهام التي أنيطت بها، أو أُوِجدت من أجل تحقيقها.
رابعاً، أن هناك تحديات غير مسبوقة للموارد البشرية على مستوى عالمي، حيث تحدثت دراسات متعددة، من بينها دراسة للمنتدى الاقتصادي العالمي، عن التحدي الذي تثيره الثورة الصناعية الرابعة، حيث يُتوقَّع أن يكون نصف الوظائف مؤتمتاً بحلول عام 2030، ما يزيد من الحاجة إلى موارد بشرية مؤهَّلة وقادرة على مواكبة التطورات المتسارعة في سوق العمل.
ــــــــــــ
https://telegram.me/buratha