محمد عبد الجبار الشبوط ||
بعد ٢٠ سنة من التغيير الاول، بات من الضروري الشروع بالتغيير الثاني. التغيير الاول، واقصد به اسقاط النظام الدكتاتوري البعثي، شابته عدة امور منها:
اولا، انه تم عن طريق الحرب و على يد القوات الاجنبية وليس بفعل تطور تراكمي ولا حراك شعبي.
ثانيا، ان الظروف الموضوعية (الاحتلال، الاحزاب التي مسكت السلطة، مستوى الوعي السياسي لدى الشعب) لم تكن كافية او مؤهلة لاحداث تغيير جوهري في البلاد على المستوى السياسي والاقتصادي والقيمي والتربوي الخ.
ثالثا، ان العملية السياسية اصيبت بعيوب تأسيس اعاقت تحقيق خطوات ملموسة على طريق بناء الدولة الحضارية الحديثة التي تقوم على اساس العدل والقانون والديمقراطية والمؤسسات الخ.
وكان من نتائج ذلك ان تفاقمت معاناة الشعب العراقي الموروثة من العهد البعثي، وتردت الخدمات، وتصاعدت معدلات البطالة والفقر والفساد وغير ذلك من المظاهر السلبية المعروفة والتي هي في التحليل الاعمق نتائج فوقية لمشكلة الخلل في المركب الحضاري ومنظومة القيم الحافة بعناصره الخمسة.
وبعد وصول البلاد الى الطريق المسدود الذي تعاني منها الان، حيث الدستور المنتهك، والبرلمان المعطل، و الحكومة الفاقدة للاهلية الواقعية، وعدم تشريع قانون الموازنة،والعجز عن تشكيل حكومة شرعية دستوريا، فان الهدف الحقيقي لم يعد يتمثل في استجابات موضعية جزئية ترقيعية هنا وهناك، وانما لابد من اجراء عملية جراحية كبرى، واصلاح جذري حقيقي لمجمل مجالات الحياة منها على سبيل المثال وليس الحصر:
اولا، العمل الجدي للانتقال من الاقتصاد الاحادي، الريعي، الاستهلاكي الى الاقتصاد التعددي الانتاجي، التنموي.
ثانيا، وتبعا لما يتحقق في النقطة الاولى، العمل على حل مشكلة البطالة لا عن طريق التوظيف في دوائر الدولة، وانما عن طريق زج الشباب من الجنسين في مشاريع عمل انتاجية خاصة في مجال الزراعة والصناعات الخفيفة، والصناعات المرتبطة بالزراعة والتربية الحيوانية.
ثالثا، معالجة الفقر من خلال مخرجات النقطتين الاولى الثانية ونظام عادل للتكافل الاجتماعي تسهم في تمويله الدولة والفئات الميسورة في المجتمع.
رابعا، وضع نظام تربوي حضاري حديث يكون قادرا على تنشئة جيل جديد من المواطنين الفعالين الذين يسهمون في طريقة ايجابية في الحياة السياسية والاقتصادية للبلاد. يتطلب هذا وضع ستراتيجية تربوية لمدة ١٢ سنة متداخلة.
خامسا، تخصيص جزء من واردات الدولة النفطية لاطلاق مشاريع البنية التحتية وتحسين الخدمات (كهرباء، طرق، مدارس، مجاري الخ) حتى لو تطلب الامر سحب عدة مليارات من الاحتياطي (الذهب او العملة الصعبة) الذي تزايد في الفترة الاخيرة بسبب ارتفاع اسعار النفط.
سادسا، التفكير الجدي باصلاح النظام السياسي بما في ذلك طريقة انتخاب رئيس الجمهورية، واختيار رئيس الوزراء، وقانون الاحزاب، وربما وقع الاختيار على النظام المختلط بدل النظام البرلماني الحالي، والمعالجة التدريجية لمشكلة المحاصصة والتخلي عن فكرة الاستحقاق الانتخابي او حكومة الكل، والمضي قدما بفكرة حكومة الاغلبية، بعد توفير شروطها، وتوفير مستلزمات قيام معارضة فاعلة. واعادة الاعتبار والفاعلية للبرلمان.
سابعا، اصلاح الخلل في علاقة اقليم كردستان بالسلطة الاتحادية والذي يتمثل بالدرجة الاولى في الانحراف عن الفيدرالية باتجاه الكونفيدرالية خلافا لما نص عليه الدستور. وقد انتج هذا الخلل الكثير من المشكلات بين الاقليم والمركز.
ثامنا، اعتماد تصور متوازن لعلاقات العراق الخارجية.
تاسعا، التفكير جديا بمسألة تعديل الدستور، لتثبيت هوية الدولة القائمة على اساس المواطنة والديمقراطية، ومعالجة نواحي الخلل والقصور والثغرات الكثيرة التي ظهرت في الفترة الماضية، وتسهيل اجراءات تعديل الدستور.
عاشرا، العمل على تعميق وتكريس الديمقراطية ثقافة وممارسة في الدولة والمجتمع.
هذه بعض النقاط التي تندرج تحت عنوان التغيير الثاني، او الجذري، و هي نقاط تستهدف بالاخير تحسين مستوى وطبيعة حياة الناس المادية واسعادهم كهدف تسعى الى تحقيقه الدولة.