المقالات

الاحتجاج وحده لا يكفي..!


محمد عبد الجبار الشبوط ||

 

الاحتجاج، وحده، على الواقع السيء الفاسد لا يكفي، وانما لابد من تطوير الاحتجاج الى عمل تغييري بناء، ولابد ان ينطلق هذا العمل من تصور واضح للمستقبل، لابد ان يكون العمل التغييري سعيا نحو نموذج يحلم به الانسان.

وجدتُ هذا في عدة تجارب تاريخية كبرى، من بينها الثورة الفرنسية عام ١٧٨٩ والثورة الانكليزية والثورة الاميركية والثورة الروسية والثورة الاسلامية في ايران عام ١٩٧٩.

في كل هذه الحالات رفع الثوريون  لواء الاحتجاج على الواقع السياسي والاقتصادي والاجتماعي الذي كانوا يعانون منه، وفي نفس كان الثوريون المحتجون يؤمنون بصورة نموذجية للمستقبل المنشود كتبها ونظر لها مفكرون ثوريون عظام مثل جان جاك روسو وكتاب الاوراق الفيدرالية والامام الخميني، وحولوها الى شعارات مركزية ترددها الجماهير وتحلم بها.

وبالعودة الى الحالة العراقية، نجد ان اسباب الاحتجاج  كانت متوفرة لدى الناس منذ  تأسيس الدولة في مطلع القرن الماضي. الى اليوم. ونشأت حركات احتجاجية رفعت شعارات مماثلة لكنها لم تتوصل الى تحقيق ما توصلت اليه الثورة الفرنسية او غيرها من الثورات التي ذكرتها، خاصة على مستوى صورة النموذج المستقبلي. وكان من اسباب ذلك انها لم تشخص الاسباب العميقة والجذرية الكامنة وراء سوء الاوضاع من جهة، ولانها تحركت في حالات كثيرة انطلاقا من مواقف ايديولوجية تضع قوالب جاهزة للتفكير، من جهة ثانية، فضلا عن انها لم تضع نموذجا واضحا للمستقبل. وهذا ينطبق بصورة كبيرة على الحزب الشيوعي وحزب الدعوة، وهما حزبان ايديولوجيان عقائديان شغلا مساحة كبيرة في الحالة العراقية.

تكرر الامر نفسه في تظاهرات تشرين الاحتجاجية، فرغم انها كانت صرخة مدوية ضد الواقع الفاسد، ورغم ان المرجعية الدينية وصفتها بانها حركة اصلاحية، الان ان الواقع انها وقعت بنفس اخطاء من سبقها في عدم تشخيصها العلة او العلل الاساسية للظواهر السلبية التي جرى الاحتجاج عليها، ولعدم قدرتها على بلورة نموذج مستقبلي، اضافة الى سلبيات اخرى لست معنيا بها الان.

تعود الظواهر السلبية في المجتمع والدولة، مثل الاستبداد والفساد والبطالة والفقر وغير ذلك، الى جملة اختلالات سياسية واقتصادية وقيمية، اطلقت عليها عنوانا عريضا شاملا هو "الخلل الحاد في المركب الحضاري للمجتمع والدولة ومنظومة القيم العليا الحافة بعناصره"، او، بكلمة واحدة:"التخلف الحضاري".

اصبحت افرازات هذا التخلف الحضاري على مختلف المستويات والمجالات معروفة وسببا وموضوعا للاحتجاج. ولا ضرورة لتكرار الحديث عنها والتذمر منها طول الوقت لان هذا لا يضيف شيئا ولا يغير الواقع. وهذا معنى قولي ان الاحتجاج وحده لا يكفي لتغيير الواقع؛ انما المطلوب هو العمل على تغيير الواقع وفق رؤية علمية ومنهجية. والتغيير عملية ذات وجهين: هدم وبناء. هدم الاختلالات الموجودة في المركب الحضاري، واعادة بناء وتركيب المركب الحضاري وفق منظومة معرفية وقيمية جديدة وسليمة. وهذا يتطلب، بعد توفر ارادة التغيير الايجابي وليس مجرد الاحتجاج السلبي، بناء النموذج النظري للمستقبل المنشود. وهنا يكشف رفض البعض للنظرية عن مدى جهلهم بقوانين التغيير.

بعد استبعاد النماذج الايديولوجية التي  لا تغني ولا تسمن عن النقاش، لا يبقى امامنا سوى خيارين: خيار التخلف وخيار التقدم "لِمَن شَاءَ مِنكُمْ أَن يَتَقَدَّمَ أَوْ يَتَأَخَّرَ"، خيار الدولة المتخلفة وخيار الدولة الحضارية الحديثة، التي جربت مجتمعات عديدة نماذجها بدرجات كثيرة متفاوتة، وحققت المستوى الممكن من السعادة والرفاهية لمواطنيها.

تتمثل مسؤولية النخبة الواعية في بناء هذا النموذج النظري للدولة الحضارية الحديثة والترويج له لجعله الحلم الذي يتمناه الناس ويعملون من اجل تحقيقه وتجسيده في الواقع، وذلك "لِمَنْ شَاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَسْتَقِيمَ"!

ـــــــــــ

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
المقالات لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
دينار بحريني 0
يورو 0
الجنيه المصري 0
تومان ايراني 0
دينار اردني 0
دينار كويتي 0
ليرة لبنانية 0
ريال عماني 0
ريال قطري 0
ريال سعودي 0
ليرة سورية 0
دولار امريكي 0
ريال يمني 0
التعليقات
ابراهيم الجليحاوي : لعن الله ارهابي داعش وكل من ساندهم ووقف معهم رحم الله شهدائنا الابرار ...
الموضوع :
مشعان الجبوري يكشف عن اسماء مرتكبي مجزرة قاعدة سبايكر بينهم ابن سبعاوي
مصطفى الهادي : كان يا ماكان في قديم العصر والزمان ، وسالف الدهر والأوان، عندما نخرج لزيارة الإمام الحسين عليه ...
الموضوع :
النائب مصطفى سند يكشف عن التعاقد مع شركة امريكية ادعت انها تعمل في مجال النفط والغاز واتضح تعمل في مجال التسليح ولها تعاون مع اسرائيل
ابو صادق : واخیرا طلع راس الجامعه العربيه امبارك للجميع اذا بقت على الجامعه العربيه هواى راح تتحرر غلسطين ...
الموضوع :
أول تعليق للجامعة العربية على قرار وقف إطلاق النار في غزة
ابو صادق : سلام عليكم بلله عليكم خبروني عن منظمة الجامعه العربيه أهي غافله ام نائمه ام ميته لم نكن ...
الموضوع :
استشهاد 3 صحفيين بقصف إسرائيلى على غزة ليرتفع العدد الى 136 صحفيا منذ بدء الحرب
ابو حسنين : في الدول المتقدمه الغربيه الاباحيه والحريه الجنسيه معروفه للجميع لاكن هنالك قانون شديد بحق المتحرش والمعتدي الجنسي ...
الموضوع :
وزير التعليم يعزل عميد كلية الحاسوب جامعة البصرة من الوظيفة
حسن الخفاجي : الحفيد يقول للجد سر على درب الحسين عليه السلام ممهداً للظهور الشريف وانا سأكمل المسير على نفس ...
الموضوع :
صورة لاسد المقاومة الاسلامية سماحة السيد حسن نصر الله مع حفيده الرضيع تثير مواقع التواصل
عادل العنبكي : رضوان الله تعالى على روح عزيز العراق سماحة حجة الإسلام والمسلمين العلامة المجاهد عبد العزيز الحكيم قدس ...
الموضوع :
بالصور ... احياء الذكرى الخامسة عشرة لرحيل عزيز العراق
يوسف عبدالله : احسنتم وبارك الله فيكم. السلام عليك يا موسى الكاظم ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
زينب حميد : اللهم صل على محمد وآل محمد وبحق محمد وآل محمد وبحق باب الحوائج موسى بن جعفر وبحق ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
دلير محمد فتاح/ميرزا : التجات الى ايران بداية عام ۱۹۸۲ وتمت بعدها مصادرة داري في قضاء جمجمال وتم بيع الاثاث بالمزاد ...
الموضوع :
تعويض العراقيين المتضررين من حروب وجرائم النظام البائد
فيسبوك