أمل هاني الياسري ||
موروث متجذر، وخزين مواليد أشرق صوت بكائها، لحظة خروجها من رحم الحياة، التي كانت تعني اللهاث وراء لقمة العيش، في زمن التخلف والأمية والجهل، المقبع على ريفنا الصابر، فلم يكن ولي أمر العائلة العراقية آنذاك، يكترث بأية بيانات أو أوراق رسمية تخص ولادة أبناءه، لذا ظهر تأريخ مميز لكثير من آبائنا وأجدادنا، بعد إقرار قانون تنظيم هوية الأحوال المدنية، وهذا التأريخ هو الأول من تموز.
رحلة عسيرة وشاقة، يتوزع عليها العذاب والحزن والأسى، فتندهش الحكايات من سيف الكلام، الذي خاصم أفواه المساكين والفقراء، الذين لم يطالبوا بحقوقهم، في زمن العقم الفكري والثقافي، وبالتالي فقد سكنت هذه المواليد، بشيوخها، ورجالها، ونسائها، بغنيها، وفقيرها، الضفاف السعيدة، وبكفن موحد أبيض، في تجمع أبدي سرمدي، من طراز خاص، بفقدانهم سجلت الحياة خسائر كبيرة، فتركوا لنا أفراحاً قليلة، إنهم ممَنْ ولد في الأول من تموز.
للكلام خطورة اللهب، حيث خريف الأجداد برائحة الفطرة، وبنكهة الطين الحر المحمل بالدفء، ورغم أن الموت قد أخفى ملامحهم، لكن الوطن ينمو بعطر أنفاسهم وشجونهم، فعندما تلد العظمة من رحم الخوف، يصبح لها سطوة غريبة، ويصير المولود ملكاً بكل المقاييس، وهذا ما أجده في جدي وأبي وعمي، إنهم مواليد لعالم متفرد، لا يمكن إختزاله في كلمات قليلة، فعرس الشمس الفقيرة بدأ في الأول من تموز.
الهياكل العظمية تبتسم، لأن حكاياتها تعلمنا كيفية الحياة والإنتماء، وما أرتضوا لكرامتهم، أن تباع في سوق المنافع الخاصة، فهم أناس مجنحون بالعقيدة في حقول القمح، حيث السنابل تشيخ كالذهب النقي، عندها يعلن موسم الحصاد، بعدما أخذ النوم والبرد، والحر والدم، من قلوبهم الشيء العجاب، حتى أنهم يكتبون أزمنة، تغسل بصراخها المتوسل، عيون أيتام الحروب والمجازر، فجددوا ميلادهم مرتين، لندرك ماذا يعني الأول من تموز؟
كثير من الناس يتذكر يوم ميلاده المدون، في هوية الأحوال المدنية، بيد أن دهاليز الموت حصدت أرواحاً، لا يعلم عددها إلا خالقها، وهم سبب وجودنا جيلاً بعد جيل، ففرسان الأحلام الحالمة، تنادي مغتسل الأموات: أن أكتب يا تأريخ معاناة الفقراء والأغنياء، ممَنْ نسيهم الدهر، فلا حجر ينزف، ولم نجد يوماً مناسباً نخرج فيه، للإحتجاج بصرخة مدوية، خارج طوفان الحياة الملتهبة، سوى يوم الأول من تموز.
عذراً أيها الطيبون الدافئون، في مقابر الشوق الحاد للحياة، حين تستشعرون حالنا، وأنتم داخل مفاهيم السكون والجمود، فكان لزاماً علينا التعلق بكم، ولا نقطع الجسور بيننا وبينكم، كي لا نحيا بلا جذور، فلقد كتبتم للأجيال تأريخاً لا يضاهى، لتنتصر الحقيقة بكم، فتقبلوا إعتذاري ونسياني، فقد أدركت أن التحالف معكم، مبدأ يقودني الى الخلود، ويدفعني لأن أقرأ سورة الفاتحة، على أرواح مَنْ غادرنا، وتأريخ مولده الأول من تموز.